5 دقائق

فلنتفكر

خالد الكمدة

كنا نضع الدرهم فوق الدرهم والخمسة فوق العشرة، حتى نجمع ما نريد لاقتناء مادة ضرورية، نصبر ونعمل بهمة حتى نحصل عليها، وإن أنفقنا لأجلها ما جمعناه بعناء صارت عندنا غالية وحافظنا عليها من العطب والهدر. واليوم نذهب في رحلات سياحية، نأكل في المطاعم ونقيم في الفنادق، ولا نعلم كيف سنسدد كل هذه الكلفة ومتى ومن أين. كان المعسر أكثر الناس عملاً وأقلهم كسباً، وبات في زماننا هذا أقلهم عملاً وأكثرهم صرفاً. كانت الأسرة تأكل الطعام من طبق واحد يقيم أودهم ويشد صلبهم ويحملون مع كل وجبة وفي كل قصعة محبة وتلاحماً تداوي أحزانهم وتؤازر أحلامهم، صارت موائدنا بالأطباق عامرة ومن التكاتف والتآلف مقفرة.

«لن تمطر السماء ذهباً ولا يتعثر البشر بكنوز على قارعة الطريق، لتبلغ ما تريد عليك أن تعمل له باجتهاد، أن تغادر الكسل وتعتق نفسك من مرض المقارنة».

في رمضان، جدير بنا أن نبحث في حال من عجزوا عن السباحة عندما غمرتنا موجة الرخاء، غرقوا في المتناقضات، ولم يعرفوا أن اعتلاء قارب خشبي قديم أفضل من تأمل اليخوت الفارهة التي تسبح بعيداً. أن نتفكر في أحوالهم وأحوالنا معهم، وأن يقف كل عند دوره، لا ينساه ولا يهمله.

بالشكر تدوم النعم، وبالعمل والإخلاص، هذه رسالة أولى لمن أثقلته تكاليف العيش وأرهقه نمط حياة لا يستطيع مجاراته، أتعبه إسرافه على نفسه، وركونه إلى حياة الدعة. لن تمطر السماء ذهباً ولا يتعثر البشر بكنوز على قارعة الطريق، لتبلغ ما تريد عليك أن تعمل له باجتهاد، أن تغادر الكسل وتعتق نفسك من مرض المقارنة، وقبل ذلك كله أن لا تسرف حتى وإن كنت على نهر جار.

أما مجتمعنا الذي أصابته آفة المظاهر، فله الرسالة الثانية، مجتمعنا هو نحن، كلما غاليت في الترف غير مدرك المعنى الحقيقي لأن تحدث بنعمة ربك، فأنت تضرب مجتمعك في مقتل، أن لا تضع النعمة في مكانها ويكون معيارك الأولى الاقتداء بمن فعل هذا وارتدى ذاك، أن تصرف على طفل لم يتجاوز السادسة، عشرات الألوف في مدرسة لا تعلمه اللغة العربية، أن تُعمل مالك لتهدم جسور التواصل مع من هم أقل حظاً بدل أن تبني بها الجسور، فقد أفسدت المجتمع.

ولأن الأقربون أولى بمعروفنا، فحري بنا الالتفات للغارمين من أهلينا قبل ابتكار السبل لتوزيع الصدقات، دور الأسرة في انتشال من ضاقت بهم الدنيا من القروض هي الرسالة الثالثة. كيف نبات شبعى وفي أسرنا من هجره النوم وهاجسه الأول كيف سيؤمن طعام الغد؟ كيف يستحكم بنيان مجتمعنا وفي بعض الأسر أطراف هشة تصارع أحوالها. ألسنا مدعوين إلى إيتاء ذي القربى حقه قبل أن نلتفت إلى آخرين.. ألسنا قادرين على أن نمحو بتوادنا وتراحمنا بؤس من يجري في عروقهم دمنا.. فلنتفكر.

twitter@KhaledAlKamda

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر