ملح وسكر

هيبة الألمان

يوسف الأحمد

انتهى المونديال وانتهت معه الصيحات والآهات ولحظات الانتظار، فغادر من غادر ورحل من رحل، أحدهم مرفوع الرأس وآخر متعوس الحظ، وهكذا تباينت الحظوظ واختلفت النتائج بين من سعى لتحقيق أرقام جديدة وبين من تعثر وانتكس إلى من حيث أتى، فالألمان انتزعوا الكأس وحققوا اللقب الأغلى لهم، وسط إعجاب واستحسان كل من تابع البطولة، حيث كانوا حاضرين بقوة من أول جولة، فسحقوا الكبير والصغير وأظهروا قوتهم وهيبتهم منذ البداية بمستوى وأداء قوي جعل أغلب الترشيحات تنصب في ملعبهم، لتأتي اللحظة التي توجوا أنفسهم أبطالاً لهذه النسخة، فلا عجب في تتويج الألمان على عرش الكرة العالمية، كونهم جنوا ثمار عمل وجهد امتد لسنوات ولأكثر من ثلاث دورات على البطولة، إذ تميزوا عن غيرهم بأمور عدة أهمها الاستقراران الفني والإداري، وتعزيز الثقة بالمدرب لوف، رغم إخفاقه في انتزاع الكأس في بطولات سابقة، لكن قناعة الألمان بعامل الوقت وعدم الاستسلام للضغوط أو الانجرار وراء العاطفة، كردة فعل لنتيجة سلبية أو خسارة بطولة، كفلا لهم هذا النجاح والتفوق في البرازيل ومنحاهم أفضلية وقوة كاسحة من الصعوبة بمكان الصمود أمامها، كون خطرها يأتي من كل جانب ومن دون سابق إنذار. وعليه فإن الفوز بكأس العالم إنجاز يحسب لهذه المجموعة وللمدرب الأنيق لوف الذي حصد ما زرعه طوال تلك السنوات، وما عمله من تغييرات وإضافات للطريقة الألمانية، التي نجح معها بشكل لافت، رفعت من أسهمه وجعلته المدرب الأول في العالم .

«تميز الألمان عن غيرهم بالاستقرارين الفني والإداري وتعزيز الثقة بالمدرب».

«الفوز بكأس العالم إنجاز يحسب لهذه المجموعة وللمدرب الأنيق لوف».

إذا كانت المستديرة ظالمة وقاسية أحياناً، فهي حقاً كذلك، فكثيراً ما تجرعت فرق ومنتخبات من قساوتها وظلمها، ولعل المنتخب الهولندي أحدها، حيث استحق لقب البطل غير المتوج في هذه البطولة بعد الأداء والنتائج المميزة التي حققها والتي توجته بأن يكون الثالث على العالم، وعلى حساب صاحب الأرض، في مباراة تحديد المركزين الثالث والرابع. فالكرة البرتقالية تعد من أمتع وأفضل مدارس الكرة في العالم، وطوال مشوارها في كأس العالم كانت ومازالت تقدم فنوناً ودروساً ممتعة في اللعبة، إلا أن مشكلتها دائماً ما تكون في النهايات والخواتيم التي تتعثر فيها لأسباب عجز الهولنديون عن إيجاد حلٍ لها، وكأنها أصبحت عقدة وصداعاً مزمناً لهم، إذ باتوا مدركين سقف أحلامهم في كل مشاركة، فما حدث في البرازيل نسخة مكررة من مونديال فرنسا 98. فالفرقة قدمت كل ما لديها واجتازت جميع المراحل بنجاح لكنها دائماً ما تتعثر في المحطة قبل الأخيرة التي صارت لغزاً محيراً، وكأنه قُدر لها أن تكون للأبد فرقةً للأداء والمتعة والفن الكروي الجميل.

عجباً للبرازيليين يبكون لفوزهم على تشيلي ويبكون على إصابة نيمار ثم يبكون لخسارتهم أمام ألمانيا، فالمستطيل يحتاج إلى رجال وإلى قوة بأس، لا لعاطفة أو دموع، فماذا يريد البرازيليون حتى يحققوا مبتغاهم، هل يريدون كرة ناعمة وذات مشاعر براقة كي ينتصروا؟ فالعالم مستغرب من هذا المنتخب ومن هذه النوعية من اللاعبين التي لا تعرف غير البكاء سواء في الفرح أو الحزن. بتلك الكلمات وصف وعلق الألماني الأسطورة، لوثر ماتيوس، على حالة المنتخب البرازيلي بعد سقوطهم في نصف النهائي، حيث قدم لهم انتقاداً لاذعاً وقاسياً، لعله قد يسهم في إخراج البرازيليين من جلباب العاطفة والمشاعر التي لم يجنوا من ورائها سوى خيبات الأمل.

Twitter: @Yousif_alahmed

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر