5 دقائق

هذا شهر زكاتكم

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

كان سيدنا عثمان، رضي الله تعالى عنه، إذا دخل شعبان، يقول: «هذا شهر زكاتكم، فمن كان عليه دين فليقضِ، ثم ليترك ما بقي»، وقد اعتاد الناس أن يزكوا في شهر رمضان؛ لأنه موسم الطاعة والمواساة، وموسم تكثر فيه الحاجات، فنعِمَّا ما اعتادوه من الخير، وإن كانت الزكاة لا موسم لها محدداً، بل متى حال الحول أو حصد الثمر وجب إخراجها؛ لأنها شرعت لسد حاجات المجتمع المتجددة كل وقت. وتكثر أسئلة المزكين عن وضع الزكاة مع الديون، التي لهم أو عليهم: متى يؤثر الدين في الزكاة ومتى لا يؤثر؟ وهل يزكي رب الدين عند الحول أم عند رجوع المال إليه؟ وطلب مني أحد المتصلين أن أجلِّيَ هذه المسألة في هذا العمود المبارك، فاستجبت له، وإن كنت قد كتبت مثله سابقاً، فأقول:

إن الدَّين لا يؤثر إلا في المال الباطن، وهو النقد وعروض التجارة، دون المال الظاهر وهو الحبوب والثمار وبهيمة الأنعام، ولا يؤثر في المال الباطن إلا بشرط أن لا يكون له وفاء من ممتلكات أخرى، فإن كان له وفاء من راتب منتظم أو مقتنيات زائدة على الحاجة يباع مثلها عند الإفلاس لم يؤثر، فتكون تلك المقتنيات أو القسط المنتظم من راتبه، الذي لا يؤثر في معيشته في مقابل ما عليه من الدين، ويبقى حق الفقراء في الزكاة سليماً، وعلى المسلم أن يخرجها طيبةً بها نفسه، فيبارك الله له في ماله ونفسه، وينفع مجتمعه.

تكثر أسئلة المزكين عن وضع الزكاة مع الديون، التي لهم أو عليهم.

وإن لم يكن له شيء من ذلك، وكان الدين مستغرقا لماله سقطت عنه الزكاة كلية، أو بقدر الدين وزكى الباقي عند الجمهور خلافا للشافعية.

وهذا الحكم ينطبق على الأفراد وعلى الشركات والمؤسسات التجارية، وهي تزكي العروض + النقود في الحسابات المختلفة، أو الخزائن + الديون المستحقة لها المرجوة السداد، فكلها تمثل وعاء واحدا، بعد إخراج المستحقات الحالة، ويُزكى الباقي بواقع 2.5%.

أما من له الدين، فإنه ينظر إلى حال المدين: هل هو مليء مقر، أم هو معسر، أم منكر؟

فإن كان مليئا مقرا، وكان الدائن واثقا من رجوع ماله متى شاء، أو في الأجل المحدد، فعليه أن يعتبر هذا المال كما لو كان في خزينته أو حسابه الجاري، فيزكيه مع سائر أمواله.

أما إن كان معسرا أو جاحدا، فإن له أن ينتظر رجوعه، فإن عاد إليه زكّاه لعام واحد، ولو كان قد بقي أعواما، كما هو الحكم في الأموال المجمدة، أو الضائعة، أو الوديعة القانونية، التي لا يستطيع استرجاعها ولا تنميتها.

كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي.

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر