مزاح.. ورماح

توحيد مقامات!

أحمد حسن الزعبي

قدرة الله وحدها هي التي جعلتنا «نفكّ الخط» ونتقن القراءة والكتابة، ونتخرج بشهادة جامعية، لقد عشنا «بعلاً» بكل ما تحمله كلمة «البعل» من معنى، الشقاء كان يأكل وقت العائلة كلها، وضنك العيش الذي يخيم فوق رموش الآباء كان أثقل وأهم من كل كتب الدنيا، لم يكن لأحد أن يهتم بنا أو بدراستنا لأنه لا وقت لديهم ليلتفتوا بعيداً عن رغيف العيش ولو لحظة، فنادراً ما تجد أباً في ذلك الوقت يعرف بأي الصفوف الدراسية أولاده، لكنه يعرف جيّداً وجيّداً جداً أنهم بحاجة إلى مصروف يومي آخر النهار، لذا كنا نفتح دفاترنا وكتبنا وحدنا نقرأ ما نفهمه، ونحفظ ما يستعصي علينا فهمه، وقد حدث فعلاً أنني حفظت مسائل الرياضيات المحلولة عن ظهر قلب وتوجّهت للامتحان! المهم ألاّ نترك درساً أو سؤالاً أو فصلاً إلا ونحاول قراءته أو حلّه أو تفكيكه.. نبري أقلامنا، نسطر أوراقنا ونذهب إلى الامتحانات النهائية، نقدّم ما نستطيعه وننتظر الشهادات.. في نهاية امتحانات الصف الخامس سألني والدي ــ رحمه الله ــ وأنا منسدح على بطني: «طالع علي أي صف؟». قلت له على السادس.. فطلب مني أن أقرأ إنذاراً للبلدية وصله للتو لتصويب بناء مخالف.. قرأت ما تيسّر لي من الإنذار.. فابتسم الحاج وبعد شهرين مات!

الآن أراقب أولادي أثناء تحضيرهم لامتحان الرياضيات المقبل.. يجلسون على الطاولة المستديرة مع أمهم كأنهم قدموا للتفاوض لا للدراسة، يرتدون «الشبّاحات» وأمامهم فناجين القهوة السادة، يجيبون على الأسئلة بتراخ وبرود أعصاب، تحاول أمهم أن تشرح لهم الدروس درساً درساً، تضع لهم مسائل سهلة ومتواطئة مع فهمهم لترفع من معنوياتهم، وهم يتأففون من كل شيء حتى من ذلك التواطؤ.. يقلّبون الكتاب ليعدوا كم صفحة بقيت على خاتمته، عين على رقم الصفحة وعين على «سبونج بوب».

أمّا أنا فالحمد لله أني نأيت بنفسي جانباً عن هذه المهمّة.. فالمدام تعرف قدراتي في الرياضيات، فمنذ كنت بسنّهم وأنا أتعرّق من «توحيد المقامات» العليا، وأفشل في الجمع بين «الكسور» بالحلال، وأعتبر أن القسمة الطويلة هي جزء من القسمة والنصيب لا أكثر، ولا أستطيع أن أتخيّل «تمثيل البيانات» إلا على أساس تمثيل عشائري، حتى مسائل الجبر هي بالمحصّلة «جبر خواطر»، لذا أعتبر أن الرياضيات كلها مجرّد «وجاهة» رقمية لها ناسها، والحمد لله أني لست منهم.

«لوح» بالرياضيات الله يسلّمني!

ahmedalzoubi@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر