مزاح.. ورماح

منتهى الطموح

أحمد حسن الزعبي

أنا أحتاج إلى غسيل دماغ حقيقي، يا حبّذا لو كان بالبخار أولاً ثم بالديزل المغشوش، لأتخلّص من عوادم الأخبار التي تلتصق بقاع التفكير، وزيوت الإحباط التي تملأ محيط العقل، أترك بعدها هذا الرأس مفتوح الجانبين ليتشمّس قليلاً ويتطّهر من خبث الأحداث والمعادلات الصعبة.. بالخلاصة أتمنّى لو أني «تنك مصفاة» أخضع لصيانة دورية وإجبارية من مأمور الصيانة.

منذ فترة يراودني تفكير مهمّ أن أعتزل كل شيء: الكتابة، الأخبار، والأخبار العاجلة، الأصدقاء الجدد، واجبات العزاء والمباركة، ضرورات النقوط، والمسلسلات السورية.. أشتهي أن أكون كما كنت، ألفّ شماغاً قديماً حول عنقي، مرتدياً ملابس رياضية ثقيلة.. بأحد جيوبها زجاجة «أبو فأس» مقاوم الرشح، أمشي بعيد المغرب محدودب الظهر إلى أقرب فرّان تفوح منه رائحة الطحين وصوت رقّ العجين، أحضر خبزاً شهياً وساخناً مثل كل الدراويش، أسلّم على أحد الجيران بحاجبيّ لصعوبة إخراج يميني من جيبي، أغلق باب بيتنا الكبير بهدوء، أضع خشبة ونصف بلوكّة على باب خمّ الدجاجات، ثم أنهي بطريقي شجار قطط غريبة تحت النافذة الشرقية .

منتهى الطموح أن أراقب الأطفال يتابعون باهتمام «توم وجيري» وقت الأخبار، بيدي رواية لنجيب محفوظ وإبريق شاي بليد تنتهي السهرة قبل أن يغلي، في المقابل إبريق وضوء بلاستيكي في درجة الغرفة يحمل شيئاً من الماء الساخن يكون سبباً في تحذير الصغار من الاقتراب منه. منتهى الطموح أن يرن هاتف البيت فأترك فروتي وأنهض مسرعاً لأرد على المتّصل بجواب مقتضب «لا خيّوه النمرة غلط»، فتسألني أمي عن هويّته فأجيبها «واحد بدّه جرّة غاز»..

منتهى الطموح أن أتغطّى بلحافي القديم، زمن التوجيهي، وأنا أرتجف فراغاً ونقاءً.. منتهى الطموح أن أنام.. فلا أسمع خبراً عاجلاً ولا انشقاقاً جديداً.. ولا موتاً مدبّراً يشعل الضوء الأحمر على مخدّتي.

ahmedalzoubi@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر