كل يوم

«هيبة» المعلم مفتاح جودة التعليم..

سامي الريامي

يقال إن اليابان تعطي لقب «سعادة» للمعلمين، من باب التقدير المعنوي لهذه الشريحة، وإيماناً بالدور المهم الذي يقومون به لخدمة ورقي المجتمع، فلا تطور ولا حياة أصلاً من دون علم، ولا علم من دون معلمين، والواقع أن احترام المعلم في اليابان أكبر وأعظم من لقب «سعادة»، لأن لكلمة «سيسني» في اللغة اليابانية مدلولاً أدق وأعمق في الاحترام، ولهذا تعتبر رمزاً فخرياً يطلق على الأطباء وأعضاء البرلمان!

تقدير المعلم وإعادة «هيبته» كانا محور نقاش في الجلسة الحوارية التي نظمتها مؤسسة دبي للمرأة الأسبوع الماضي على شكل «مجلس»، بعنوان «المعلم.. مهنة استثنائية»، وبكل تأكيد لا يمكن طرح هذا الموضوع للنقاش دون التطرق لليابان، ففيها من احترام هذه المهنة ما يجعلنا ندرك كيف وصلت هذه الدولة لمكانتها الاقتصادية والعالمية، فهي بدأت من المعلم، مثلما قال إمبراطور اليابان حين سئل ذات يوم عن أسباب تقدم دولته في هذا الوقت القصير، فأجاب: «بدأنا من حيث انتهى الآخرون، وتعلمنا من أخطائهم، ومنحنا المعلم حصانة الدبلوماسي وراتب الوزير»!

موقع المعلم يأتي بعد الإمبراطور مباشرة، وهذا سر تفوق اليابان العلمي، فهم يعرفون أن العلم الذي يكفل لبلدهم التقدم والتميز لا يأتي إلا عبر المعلم.

لم تصل اليابان ولا غيرها من الدول الكبرى اقتصادياً إلى ما وصلت إليه، لمجرد توافر المصانع ورؤوس الأموال والأسواق، نعم كل ذلك مهم، لكن لن تكتمل هذه الأضلاع دون النهوض بالتعليم، ولن ينهض التعليم دون الاهتمام بالمعلم، وإعطائه مكانة لائقة، فهو حجر الزاوية للمنظومة التعليمية.

يتفق الجميع في اليابان على أن موقع المعلم يأتي بعد الإمبراطور مباشرة، وهذا سر تفوق اليابان العلمي، فهم يعرفون أن العلم الذي يكفل لبلدهم التقدم والتميز لا يأتي إلا عبر المعلم، وأن هذا المعلم لا يرجى منه نفع إن لم يكرم، فكرموه بوضعه في الدرجة الثانية بعد الإمبراطور، بحيث يسبق بذلك وزراء ونواباً وعسكريين وسياسيين ودبلوماسيين وغيرهم!

ليست اليابان وحدها من يفعل ذلك، ففي ألمانيا يتقاضى المعلم رواتب مجزية أكثر من غيره، لدرجة أن راتبه يتجاوز كثيراً ما يأخذه القضاة، على الرغم من حساسية هذه المهنة وضرورة جعلها في مراتب متميزة، وهذا ما دفع القضاة في ألمانيا ذات مرة لمطالبة أنغيلا ميركل بمساواة رواتبهم برواتب المعلمين، فما كان منها إلا أن عقدت مؤتمراً صحافياً للرد عليهم، وأوجزت الرد في كلمات قصيرة، لكنها غزيرة ومهمة، فقالت: «كيف يمكن أن يتساوى التلميذ بأستاذه!».

المعلم في الإمارات لا يريد أن يعامل أفضل من تلاميذه بعد تخرجهم وتبوئهم مناصب مهمة، كما ترى ميركل، كما لا يريد لقب «سعادة»، ولا يريد أن يغسل الطلبة قدميه خلال حفل التخرج كما يفعل الطلبة اليابانيون، لكنه حتماً يريد زيادة التقدير المعنوي، والاهتمام، ويريد أن تستعيد مهنته احترامها، ويعود له وقاره وهيبته.

يريد مكانته وهيبته الاجتماعية قبل الرسمية، بين أقرانه، وبين أولياء أمور الطلبة الذين يدرسهم، ويريد احترام وتقدير الطلبة أنفسهم، ودون ذلك لن تحظى هذه المهنة بإقبال المواطنين، وستظل نسبة المعلمين المواطنين في الدولة قليلة جداً كما هي الآن، كما أننا لن نستطيع استقطاب المتميزين منهم من خارج الدولة، وهذا يعني ضياع جودة التعليم وتردي مخرجاته أكثر فأكثر!

لن يحظى المعلم بالتقدير والاحترام حتى نعيد غرس ذلك التقدير بالممارسات العملية، والقوانين الملزمة، وإقرار حزمة من المزايا له، فلم لا نخصص عاماً للمعلم نكرس خلاله حبنا له؟ ولم لا يكون له وضع مالي خاص، وعلاوات خاصة، ومعاملة تفضيلية في كل الأماكن العامة والخاصة، ليس في ذلك مبالغة، وليس هذا بمستحيل، ومهما فعلنا من أجل المعلم فلن نوفيه حقه، والأمر يجب ألا يقتصر على «قم للمعلم وفه التبجيلا»، فلم يعد هناك كثير ممن يطبقون ذلك!

twitter@samialreyami

reyami@emaratalyoum.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر