أبواب

اعترافات في زمن الخراب

يوسف ضمرة

على الرغم من هذه الجوائز التي نبتت كالفطر في عالمنا العربي، فإن الكتابة الأدبية العربية لا تتقدم. لم تعد لدينا روايات مبهرة، وشعر ساحر نلقيه على مسامع حبيباتنا كزهرة ندية. لا قصص فاتنة ومسكرة. تشابهت الأشياء وتضاءلت الدهشة. القصائد بعضها يشبه بعضها الآخر. الروايات كامرأة ريفية تحاول أن تخطو كعارضات الأزياء.

حاولت الرواية العربية، ولاتزال تحاول، أن تحقق نصراً ما.. بعضها نجح في تجنب الهزيمة، وبعضها الآخر وقع في الخذلان.

الكتابة الأدبية العربية لا تتقدم. لم تعد لدينا روايات مبهرة، وشعر ساحر. تشابهت الأشياء وتضاءلت الدهشة. القصائد بعضها يشبه بعضها الآخر.

هنالك كاتب وقارئ وبيئة ثقافية اجتماعية سياسية، وهنالك قضايا كبرى ومصيرية يعيشها الإنسان. هذا كله يسهم في رسم صورة المشهد الأدبي، لا النص وحده.

هل حقاً حدث هذا؟ هل هذه هي حقيقة المشهد الأدبي العربي؟

ربما نعم، وربما لا!

فالمشهد ترسمه عوامل عدة، لا عامل واحد فحسب. هنالك كاتب وقارئ وبيئة ثقافية اجتماعية سياسية، وهنالك قضايا كبرى ومصيرية يعيشها الإنسان. هذا كله يسهم في رسم صورة المشهد الأدبي، لا النص وحده.

الكاتب العربي مسكين في هذه الفوضى وهذا الخراب. مسكين لأنه لا يعرف ما الذي يحدث ولماذا يحدث وإلى أين نمضي. إنه واحد منا يرى الحياة تتسرب من بين أصابع يديه كالرمل الناعم. لديه من الأحلام الكثير، ولديه الكثير مما يهجس به ويتطلع إليه، ولكنه في النهاية يجد نفسه في آلة الفوضى والخراب العميم.. في واقع يعجز السورياليون عن ابتكاره أو التفكير فيه.

لديه الحوافز المادية للكتابة، ولديه الأسباب الروحية والنفسية للانكفاء والانزواء ومحاولة إدراك حقيقة الصورة المربكة والمرتبكة.

في أجواء كهذه ليس من حقنا أن نطالب الكاتب بتدوين ما يريده كل منا. فلا أحد منا يعبر عن جماعة ما تعبيراً حقيقياً كما كان الأمر في السابق، حين كان احتلال الوطن قضية جمعية لا خلاف عليها، وحين كانت المقاومة قضية مقدسة تحظى بمباركة الأب والأم والشيخ والملحد والمتعلم والأميّ.

الآن لا توجد قضية جامعة. وبدلاً من هذا وذاك، أصبحت لدينا قيم جديدة طارئة.. طارئة في الممارسة ربما، فقد يكون لها سند عقائدي أو تاريخي. صار في استطاعة أيٍّ كان أن ينصب نفسه ناطقاً رسمياً باسم العقيدة، وينفذ ما يراه صواباً بحسب فهمه للعقيدة نفسها.

في هذه الأجواء الفنتازية، يلجأ الكثير من الكتاب والأدباء للبوح، وللاعترافات، وكتابة السيرة الذاتية، وإن تلفعت بثوب الرواية أو اليوميات. والاعترافات جنس أدبي قديم، لكنه يزدهر حيناً ويتراجع حيناً آخر. وهذا يعتمد على عوامل عدة. لكن الاعترافات في نهاية الأمر تظل حالة من النكوص إلى الذات. إنها استرجاع ماضٍ قد يكون جميلاً، وقد يكون رديئاً، لكنه يظل بماضويته أكثر يسراً من حاضر بشع شديد القبضة على النفس. وقد يحلو للبعض أن يسميه هروباً من المواجهة، وربما يكون هذا البعض محقاً، فمواجهة الخراب مكلفة، تتطلب بأساً ربما يعجز كثير من الكتاب عنه. والاعترافات غالباً ما تكون انتقائية، والانتقائية حالة مقصودة، حتى إن بدت عفوية في شكلها الخارجي. وهي انتقائية لأن المطلوب منها أن تؤدي وظيفة أو وظائف محددة. ربما لا ينتبه الكاتب تماماً للأمر، لكنها في جوهرها كذلك، فالإجابة عن سؤال: لماذا أدب الاعتراف؟ تحتم البحث في النتائج لاكتشاف الأسباب.

اللافت أخيراً.. أعني في السنوات الأخيرة، هو أن الاعترافات لم تعد مقصورة على الكتاب الكهول والشيوخ، فهنالك الكثير من الكتاب الشباب الذين لجأوا إلى الاعترافات، قبل أن يراكموا تجربة أدبية مميزة ولافتة. وهو في ظني دليل انكفاء لا علامة عافية!

damra1953@yahoo.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر