كل يوم

تشوهات هيكلية

سامي الريامي

ليست المشكلة الحقيقية في توظيف المواطنين في القطاع الخاص، فالتوظيف من خلال المبادرات ومعارض التوظيف والضغوط المختلفة سيسير في الاتجاه المطلوب، لكنه سيسير ببطء شديد للغاية، وبتجاوزات لا أول ولا حدود لها من الشركات، والأمثلة أيضاً لا أول ولا آخر لها!

المواطنون سيجدون وظائف في القطاع الخاص، وإن كان ذلك بصورة صعبة ومتعبة، لكنهم لن يستمروا طويلاً في تلك الوظائف، وجميع المؤشرات تؤكد ذلك، فالمشكلة الحقيقية في ضمان استمرارية المواطنين في وظائفهم، لا في إيجاد تلك الوظائف لهم، ومع ذلك فكل الجهود الحالية تصب في زيادة أعداد التوظيف في القطاع، بدلاً من مواجهة المشكلة الهيكلية المفصلية وهي تهيئة القطاع الخاص ليكون جاذباً للمواطنين!

«جميعنا بانتظار البدء في اتخاذ التدابير وفرض القوانين اللازمة لتضييق الهوة بين القطاعين لاستيعاب الخريجين المتزايدين سنوياً من المواطنين».

عدم استمرارية المواطنين في العمل لدى شركات القطاع الخاص ليس بسبب عدم تأهيلهم، أو تكاسلهم، أو أي من تلك الأسباب التي يرددها أرباب العمل الخاص والشركات الخاصة، بل سبب ذلك مشكلات حقيقية في هيكلية هذا القطاع، فهو غير مناسب أبداً للشباب والشابات من أبناء البلد، والعيب هنا ليس فيهم بقدر ما هو عيب القطاع الخاص، فهو مصمم ومهيأ للعمالة الأجنبية الوافدة، لأنها الأرخص والأكثر قدرة على التأقلم، والأهم أن من صمم الأعمال والوظائف فصّلها لهم بمواصفاتهم، وتالياً لا يمكن أبداً أن تكون هذه المواصفات مناسبة للمواطنين!

ليس ذلك تبريراً بقدر ما هي حقيقة واقعية، فالرواتب متدنية جداً مقارنة بطبيعة حياة المواطنين، لأنها مصممة في القطاع الخاص لتناسب جاليات معينة، وساعات العمل طويلة جداً، والإجازات قليلة، وغالباً ما تتعارض مع إجازات القطاع الحكومي، ما يعني عملياً فصل الموظف المواطن عن جميع المناسبات الاجتماعية تقريباً، والتأثير السلبي في عائلته وحياته الاجتماعية، والسؤال المهم: إلى متى يستطيع المواطن الخريج الصمود في العمل في قطاع خاص بهذه المواصفات، في حين زميله الخريج المواطن في القطاع الحكومي يحصل على مزايا أفضل وراتب أفضل، مع ملاحظة أن الاثنين يعيشان حياة متشابهة في الصرف والإنفاق، على اعتبار أنهما مواطنان؟

هنا تكمن المشكلة الحقيقية، وحتى نضمن إقبالاً أكثر من المواطنين على العمل في القطاع الخاص، لابد أولاً من معالجة هذا التشوّه بشكل مباشر، ولابد من العمل لتجسير الفجوة الواسعة جداً بين القطاعين، وإعادة دراسة إمكانية منح المزايا والمحفزات للمواطنين، بأي وسيلة وطريقة، إما بتحفيز الشركات وتشجيعها مقابل إغراءات حكومية أكثر، تجعل الاستعانة بالمواطن لديها أفضل من الاستعانة بوافد، أو بتدخل حكومي مباشر لدعم المواطنين في القطاع، وتعويضهم عن حالة حرمان المزايا التي يعيشونها حالياً!

بالتأكيد قد لا ينطبق هذا الكلام على جميع شركات القطاع الخاص، لكن يبقى معظم المواطنين العاملين هناك في خانة المحرومين من المزايا، وهم بحاجة إلى عون ومساعدة حتى يستطيعوا الصمود طويلاً، وإلا سيظل الوضع على ما هو عليه حالياً، تسعى الحكومة بكل جهدها إلى توظيف أعداد كبيرة من المواطنين، ويبدأ القطاع الخاص بضغوطه المقصودة وغير المقصودة لتطفيشهم، وبعد مرور عام تبدأ الأرقام بالانحسار مجدداً، وهكذا تدور العجلة في حلقة مفرغة!

سمعنا عن كثير من المقترحات بهذا الشأن، والأمر برمته واضح ومعروف لدى المسؤولين الحكوميين، وجميعنا بانتظار البدء في اتخاذ التدابير وفرض القوانين اللازمة لتضييق الهوة بين القطاعين لاستيعاب الخريجين المتزايدين سنوياً من المواطنين، والتأخير في اتخاذ هذه التدابير لا شك في أنه سيضاعف كثيراً من حجم المشكلة، فماذا ننتظر؟!

twitter@samialreyami

reyami@emaratalyoum.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه.

تويتر