مزاح.. ورماح

«تفحيط» عجايز

أحمد حسن الزعبي

هناك صور نمطية رسخت في أذهاننا منذ الصغر من المستحيل أن نتعوّد على قبول غيرها، مثلاً: زوجة الأب غالباً ما يتم تصويرها على أنها قاسية وشريرة ومتآمرة وقبيحة في الوقت نفسه، من قال هذا؟ لِمَ لا تكون زوجة ألأب طيبة وحنونة ومخلصة وجميلة؟!

التاجر كذلك يتم الإشارة إليه في الرسوم والمسلسلات على أنه جشع ويحبّ المال ويستغل الضعفاء.. مع أن أغلب التجار وضعهم يقطّع القلب، فإما عليهم «شيكّات» أو لهم «شيكات» ولا يستطيعون تحصيلها.

أكثر الصور النمطية تكراراً وثباتاً هي صورة الجدّة العاجزة: منذ أيام ليلى والذئب بنسختها الأصلية والجدة ممدّدة في السرير تشكو من الآم عامة لا يمكن علاجها، مثل طول في الذقن ووجع في الظهر، ونادراً ما كانت المسلسلات الكرتونية تخرج الجدّة من السرير إلى الكرسي الهزّاز لتحيك خيطان الصوف البنيّة وقربها قطة نائمة.

بصراحة النساء العربيات بالمجمل يحاولن ألا يخرجن من إطار هذه الصورة، فما أن يدخلن العقد السادس من العمر حتى يلزمن الفراش ولا يرغبن في ممارسة الحياة ككل.. مثلاً جدّتي، رحمها الله، آخر درجة نزلتها في حياتها كانت درجة «الباص» القادم من الحجّ سنة 1981، وبعدها ظلّت ممدّة في الفراش 20 سنة تنتظر الموت، رغم أنها لم تكن تعاني شيئاً محدداً، ومنذ عام 1981 كلما زرتها كانت تسألني السؤال نفسه «مين أنت»؟ فيقول لها الحضور: «هاظا أحمد»! تهزّ رأسها قليلاً وتقول: «بدي أموت يا جدّة»! فأجيبها بالجملة نفسها: «بعيد الشرّ يا جدّة».. بعد عشر سنوات وتحديداً عندما أكملت الثانوية العامة سألتني: «مين أنت»؟ قال لها الحاضرون: «هاظا أحمد»! هزّت رأسها وقالت: «بدي أموت يا جدّة» فعدت عليها الجملة المجاملاتية نفسها: «بعيد الشر يا جدّة»! وعندما أكملت البكالوريوس زرتها لأبشّرها بتفوقي ولتبارك لي بالشهادة.. فسألتني للمرة المليون: «مين أنت؟» قلت لها: «أنا أحمد».. فهزّت رأسها للمرة المليون «بدي أموت يا جدة»! فشجّعتها للمرة المليون: بعيد الشرّ عنك يا جدة».. ولا أريد أن أكمل القصة «كي لا تملوا.. لكن أطمئنكم الأسئلة ظلت كما هي.. والأجوبة كذلك».

شعرت بحاجة شديدة لـ«اللطم» عندما شاهدت على إحدى الفضائيات عجوزاً بريطانية عمرها 83 سنة، تقفز بالمظلة، وتقوم بعروض في السماء، وتركب الزوارق الصغيرة، وتبحر في الوديان الضيّقة، وتتسلق البنايات الشاهقة، وتخطط للمشي على أجنحة الطائرات.. وفوق ذلك تقود السيارات بسرعة جنونية و«تفحّط» بها.. تخيّلوا حاجّة وبـ«تفحّط»؟!

ترى ماذا لو كنت ـ لا سمح الله - حفيد هذه السيدة التي تدعى «براند باكهاوس».. كيف سأكتب عن سلوك الشباب وأنهاهم عن «التفحيط» وجّدتي ليل نهار قاعدة بــ«بتخمّس»؟!

ahmedalzoubi@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه.
 

تويتر