5 دقائق

المحبة والإتباع

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

محبة النبي صلى الله عليه وسلّم أساس الإيمان وبرهان صدقه، وباعث العمل ودليل قبوله، وهذا مما لا خلاف فيه بين أهل الإسلام، لكثرة الأدلة ووضوحها، فإن الله تعالى قد توعّد بالعذاب، ونبز بسيئ الألقاب كلَّ من لا يكون اللهُ ورسولُه صلى الله عليه وسلّم أحبَّ إليه من كل محبوب سواهما {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ} إلى قوله سبحانه {أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا..}، فكيف يحقق المرء المسلم هذه المحبة التي ترقِّيه إلى أعلى المراتب، وتجعله مع المحبوب؟ أم كيف يغالب نفسه وهواه ليسوقهما إلى العمل الذي يحبه الله ورسوله إلا بمحبة سائقة، وخوف مقلق، وشوق محرق، باعث على جد السير؟

محبة النبي صلى الله عليه وسلّم أساس الإيمان وبرهان صدقه، وباعث العمل ودليل قبوله.

وهو الحال الذي كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم، كما عبّرت عنه جواري الأنصار بفطرتهن وسليقتهن يوم أن أنشدن:

نحن بنات من بني النجار يا حبذا محمد من جار

فيبادلهن المحبة ويشهد الله على ذلك، وما شهد به عروة بن مسعود يوم الحديبية، حينما رأى منهم ما أذهله، فقال: «والله ما رأيت ملكاً قط، يعظّمه أصحابُه، ما يعظّم أصحاب محمدٍ محمداً»، وما عبر عنه عمر رضي الله عنه يوم قال: «لأنت أحب إليّ من نفسي»، وما عبر عنه الأعرابي بقوله «ما أعددت لها إلا أني أحب الله ورسوله»، فكان جزاؤه «أنت مع من أحببت»، فما فرح الصحابة بشيء كفرحهم بذلك، وما فعله عليٌّ يوم الخروج للهجرة، والصديق في طريقها، وعثمان بحيائه وإنفاقه، وثوبان بشوقه، وما عبر عنه الجذع بحنينه، والحجر بتسليمه، والجمل بشكواه، والضب بتسليمه.. إلى غير ذلك من مواقف لا تحصى من الناس والجماد والحيوان، فإنهم لما نالوا شرف المحبة جنوا ثمارها، وما كانوا ليدركوا ذلك لولا معرفتهم التامة برسول الله صلى الله عليه وسلم.

ولما كان كثير من الناس لا يعرفونه المعرفة الحقيقية كفروا به وآذوه وحاربوه، ثم كان منهم من هدى الله، ومنهم من حقت عليه الضلالة، ومَن عرفه آمن به وأجلّه فما كان يقدر أن يملأ عينه من رسول الله صلى الله عليه وسلم إجلالاً له، كما كان من عمرو بن العاص وهند بنت عتبة وأبي سفيان وثمامة بن أثال، وغيرهم، وكما قال علي رضي الله عنه «من رآه بديهة هابه، ومن خالطه معرفة أحبه»، والمعرفة بسماع شمائله وأحواله ونشأته وبعثته وعبادته ومعاملته ومحبته لأمته وحرصه ونصحه لهم.. تحقق بعض ذلك إن فاتت المشاهدة.

«كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي»

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه.

 

 

تويتر