مزاح.. ورماح

(ع الأصل دور!)

عبدالله الشويخ

هكذا ومن دون مقدمات، قرر الأهالي في بلدة المسافي التي يحتضنها الجبل إقامة حفل لتكريم الوافدين المقيمين على أراضي البلدة منذ أكثر من ثلاثين عاماً، احتفالية بسيطة ومبادرة ذاتية وأضواء إعلامية أقل، لأن النيات النيرة لا تحتاج إلى مزيد من الأضواء المصطنعة لكي تبرز صفاء قلوب أهلها.

المكرمون في الحفل كانوا عشرات المدرسين الذين سكنوا الجبال شباباً وهم اليوم في آخر العمر ينظرون بفخر لطلابهم الذين يعمل أغلبهم في الطيران أو في القوات المسلحة، ولأنهم من الجبل فهم بقية من ترى فيهم «رجولة» حقيقية كادت تختفي مع تغير معالم ومؤشرات الرجولة في مناطق أخرى، المكرمون في الحفل كان بائع بقالة شهيراً في مسافي، وكان «دوبي» يحفظ أشكال وألوان كنادير الأهالي، وكان بائع خضرة، وصاحب بيك أب، وطبيباً يعرفه أهل المنطقة، وعامل مقهى، لم يكونوا رجال أعمال استفادوا من ثرواتها الطبيعية ولم يردوا الدين لها، ولم يكونوا مستثمرين متوقعين!

رأيت التأثر الكبير في وجوه المكرمين لهذه اللفتة الجميلة من الأهالي، في زمن عز فيه الوفاء، ربما كان الأمر في مسافي لطبيعة البيئة القروية والجبلية الحرة في اختياراتها، وربما لأن طبيعتها العروبية تحتفظ بسمات العروبة من وفاء وإخلاص وإكرام.

أتمنى، ونحن مقبلون على مناسبة وطنية مهمة، أن يحذو كل فريج وكل منطقة في الدولة حذو أهل مسافي، إن لم يكن باحتفالات التكريم فبالتكريم وحده، بابتسامة لذاك المدرس، باحترام لذاك الطبيب، بقبلة على رأس ذاك الإمام، وإن لم يكن فبتعليم السفهاء من الجيل الجديد، أن يعطي ذلك المدرس الذي أفنى ثلاثين عاماً من عمره هنا شيئاً من احترام وإنسانية بدلاً من ترديد أسطوانة بعض ناقصي الحس الوطني والإنساني: يا خي هذا ثلاثين سنة ياكل من خير البلاد! بعده ما شبع!!

هل تذكرون دعاية مياه مسافي في الثمانينات؟ «إنه جبل من الجليد في وسط الصحراء».. هو فعلاً كذلك!

Twitter:@shwaikh_UAE

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر