5 دقائق

صديق مخــ «لص»

إيمان الهاشمي

أخبروني في طفولتي أن «الغول، والعنقاء، والخِلّ الوفي» مجرّد خرافات ثلاث تُحكى فيهم الأساطير والقصص الخيالية! ولكني كبرت لأجد أن «الغول» يعيش برفاهية في الجانب المظلم من القمر، ليسطع  في وجه فريق من البشر لا يمتّون للبشرية بصلة! بل تكاد الغيلان تبدو أرق منهم أحياناً! ثم نظرت إلى «العنقاء» وهو «طائر معروف الاسم مجهول الجسم»، ووجدته يشبه إلى حدٍ كبير «عمليات التجميل الشاملة» التي انتشرت حول العالم بكثرة أخيراً، فما عدنا نتعرف إلى الشخص إلا عن طريق اسمه في بعض الحالات!

أما «الخل الوفي» فهو الفقرة الوحيدة التي أثبتت تناقض وجودها بجدارة عند «فئة معينة» بيننا، بصرف النظر عن عدد أفرادها، فهي لاتزال تحتفظ  بمدى مصداقية الخرافة الأخيرة، ولا تفضل تحقيقها إطلاقاً، ربما كي لا تفسد تراثها العريق! بل كلما تقدم بها الزمان أثبتت مقدرتها على تحقيق جميع الخرافات «اللامعقولة» المتمثلة في الغول والعنقاء، وعجزها عن «المعقولة» نسبياً! وهذا «خرافة» بحد ذاته! فكما اعتقد الفيلسوف اليوناني أرسطو، أن الصداقة المتكاملة تبنى على أسس توافر «المنفعة، واللذة، والفضيلة» فإن مفهوم هذه الأركان بات يُقرأ بالمقلوب ويُركَّب تركيباً خاطئاً! فالمنفعة المتبادلة أصبحت عندهم «استغلالاً بشعاً»، ولذة العيش أصبحت «ابتزازاً مبتذلاً»، أما الفضيلة فليس لها معنى في قاموسهم! مهما كانت لغتهم، أو ديانتهم، أو عرقهم، أو أي تمييز آخر، لأن هؤلاء يشكلون «طائفة» واحدة أياً كانوا، ويجتمعون تحت «سقف» واحد أينما كانوا! ويدخلون حياتنا دون أن نشعر، ويلتصقون بها كالطفيليات المزعجة، أو ربما كالفيروسات القاتلة!

وهكذا تبقى المشكلة مختبئة خلف ستار ضخم يعيق تفكيرنا في كيفية تفاديهم أوالتعرف إليهم، فالمستحيل تصنيفهم ضمن علامة بارزة تُطبع فوق جبينهم، ليسهل علينا كشف المستور أو نزع القناع عن نواياهم الحقيقية، لكن الجميل أننا في كل مرة نختلط فيها بهم ونشعر بلدغة سمومهم تجري في تفاصيل يومنا، تتكون لدينا مناعة ضد أساليبهم الملتوية وتزداد خبرتنا في تحديد ألوانهم المتقلبة كالحرباء، ونشعر بالفخر والاعتزاز بأنفسنا كلما اكتشفناهم ولو كان بعد تكبدنا عناء «الصداقة» حينما كانوا يعتنقون مبدأ «الصديق هو الضيق».

لذا يرجى توخي الحذر الشديد والنظر عن كثب قبل التوغل فيهم أو التسرع بإطلاق كلمة «صديقي» على أحدهم، مع مراعاة عدم الوقوع في شَرَك «الشك اللامبرَّر»، فهنالك أصدقاء حولنا لا يقدرون بثمن، وخروجهم من حياتنا يعادل خروج الروح من الجسد، ولهذا يجب انتقاؤهم بتأنٍ ودقة وتسامح، فـ«ربّ أخ لك لم تلده أمك».

ولايزال البحث جارياً عن صديقٍ مخـ «لص»!

eman.alhashimi@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتبة يرجى النقر على اسمها .



 

تويتر