مزاح.. ورماح

«هي مصر عاملة إيه؟!»

عبدالله الشويخ

هناك خدمة جميلة لدى «اتصالات» في نظام «إي ـ لايف»، يمكنك عن طريقها مشاهدة البرامج التي فاتتك وتبقى موجودة لديهم، تسمى خدمة «كتشب».. ولما كنت من مدمني برنامج «CSI»، بجميع مدنه الأميركية المختلفة، وبناء على اسم الخدمة المغري، خصوصاً في أوقات الجوع العاطفي.. اتصلت بالرقم «101»، لسؤالهم عن كيفية استخدام الخدمة، وما هي الأزرار التي يجب علي ضغطها.. لم أفلح في ذلك، وطلبت منهم إرسال مندوب للمنزل بجوار دوار المصحف، فسألتني الموظفة: وهو دوار المصحف فين حضرتك؟ في دبي؟ عرفت بالطبع أنها تتحدث من مصر وفهمت ـ عندها فقط ـ لماذا كان هناك نوع من الحزن في صوتها.. سألتها: «هي مصر عاملة إيه؟!».. أجابتني بصوت مختنق: «ادعولنا يا افندم»!

***

في عام 1992، كانت أول مرة أسمع تلك العبارة من المقيمين المصريين، على أكشاك الهاتف، التي كانت منتشرة حينها، كانوا يسألونها لذويهم بعد زلزال القاهرة الشهير في ذلك العام، والذي يبدو كمفرقعات أطفال بما يحدث في مصر الحبيبة هذه الأيام.. صورة ضبابية لا أحد يعرف إلامَ ستؤول؟! يقودني السؤال إلى تلك الذكريات الصبيانية الجميلة في شارع جامعة الدول أمام  «منجا فرغلي».. يقودني السؤال لأجمل سنوات العمر.. طلبة خليجيون في وطنهم الثاني، نسير لا نحمل شيئاً من همّ الدنيا، لأننا في حضن «مصر»، متسولة ستينية تلاحقنا.. أحاول أن أتذاكى وأدعي أنني «أخرس» لا أتكلم.. تصفعني على ظهري بقوة وهي تقول: «لا حبيبي لأه.. الحركات دي أنا اللي بعملها.. يا عبيط ما بتتعملش كده!!»، وتبدأ بإعطائي أسرار المهنة، وكيفية تقليد البكم بحرفية، تضحك كثيراً، وأضحك أكثر من قلبي وبصدق!

تنشأ بيننا علاقة غريبة أنا أعطيها المعلوم، وهي تحدثني بأطرف ما دار معها في ذلك اليوم! كيف هربت من الشرطة، وكيف نصبت على رجل الأعمال، وكيف «خربت بيت» صاحب المحل الذي رفض إزعاجها لزبائنه.

أتابع أخبار اليوم وأتساءل: هل لاتزال على قيد الحياة؟ هل لايزال لديها ترف الضحك ورواية القصص؟ تراها ماتت بطلقة طائشة أو مقصودة؟ تراها كانت من المغرر بهم؟ هل لايزال لدى الناس سعة صدر الصبر على البسطاء، أم أن طلقة واحدة تكفي؟ طلقة لن تفيدني مسلسلات «CSI»، التي أحبها، في معرفة مصدرها!

Twitter:@shwaikh_UAE

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر