مزاح.. ورماح

شراهة زائدة

أحمد حسن الزعبي

تبدو القصة حقيقية، لكن لا أعرف بالضبط من أي موقع أو صحيفة قرأتها، أو من أي بريد إلكتروني وصلتني، فعلى ما يبدو أن الزهايمر غزاني باكراً، ما علينا، يقول أحد الطلاب العرب المقيمين في ألمانيا، إن صديقين من بلاده حضرا إلى المدينة نفسها التي يقطنها، والتي نسيت اسمها أيضاً بفضل الزهايمر، فأراد أن يكرمهما ويحسن ضيافتهما كما هي شيم العرب، فدعاهما الى مطعم مشهور وفخم، وعند حضور النادل لأخذ «الطلبية» طلب منه أن ينزّل كل ما لديه من «المنيو» مقبلات وشوربات ومأكولات بحرية على لحم ضان وستيك ودجاج وحبش وأرز وخضراوات مطبوخة، في الزاوية المقابلة كانت تقبع عجوز ألمانية أمامها صحن واحد فقط، وبدأت تلفت انتباهها حركة موظفي المطعم وأزيز «الصحون الطائرة» من المطبخ الى الطاولة العربية، فما كان منها إلا أن قامت عن كرسيها وذهبت إلى الهاتف العام الموجود في المطعم، طلبت رقماً وتكلّمت لمدة تقل عن دقيقة ثم جلست في مكانها.

لم تمضِ سوى لحظات قليلة، وقبل أن يقول «شباب العرب» باسم الله حتى حضرت الشرطة المجتمعية، أو البيئية، أيضاً لا أذكر بسبب الزهايمر، إلى المطعم، فنهضت العجوز من مكانها لتؤشر لهم إلى طاولة الأشقاء، حضر الشرطي وبدأ يتكلّم معهم، قفزت العجوز كثيرة الغلبة، وشرعت تشرح له بأن «هؤلاء الشبّان قد طلبوا طعاماً أكثر من حاجتهم»، فانتفض الشاب العربي (المعزّب) وقال لها: ما شأنك أنتِ؟! أنا أدفع الفاتورة من فلوسي! فقالت له: أموالك لن تنفعنا لو نفدت هذه الخيرات من الدنيا، نحن شركاء في الموارد لا في الأموال، ثم تسلموا مخالفة من الشرطة تحت بند «الشراهة الزائدة».

ترى كم مخالفة وكم شرطياً بيئياً نحتاج في رمضان؟ أفقر مائدة عربية هذه الأيام عليها عشرة صحون، وأضخم مائدة حدّث ولا حرج، ناهيك عن الدعوات الرمضانية والإفطارات الجماعية التي تجرى في الفنادق ومطاعم الخمس نجوم والصالات الكبرى، أكثر من ثلثيها يذهب الى حاويات القمامة من دون أن تمسّه يدّ بشرية في الأكل أو التجريب حتى، إذا لم تصدقّوني فقط راقبوا القطط في ساعات الليل المتأخرة التي تحوم حول الحاويات لتكشتفوا أن القط صار بحجم الخروف وبعجرفة الأسد، بفضل ما يقدّم إليه من فيض شراهتنا.

قال الله تعالى:{ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} (التكاثر: ‬8).

ahmedalzoubi@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه.

تويتر