مزاح.. ورماح

أعراض اليوم الأول

أحمد حسن الزعبي

في كل عام، ما إن يقطع التلفزيون برامجه ويظهر سماحة الشيخ معلناً أول أيام شهر رمضان، وما إن تبدأ أغنية «أهلاً أهلاً يا رمضان» بالتكرار على شاشاتنا، حتى أشعر بقرصة جوع ونشفان في الريق، مع أنني أقوم في كل عام بتجهيز نفسي بالذخائر الإيمانية والتموينية منذ منتصف شعبان، مسبحة ذات المئة حبّة، وطاقية بيضاء جاءتني هدية من الديار المقدّسة، ودلو «شنينة»، ومع كل هذا أعاني صعوبة اليوم الرمضاني الأول.

في الصباح أقف مقابلاً للمرآة، فأندهش بأن الصورة الطالعة في المرآة هي للرئيس الصيني السابق، جيانغ زيمين وليست لوجهي، عينان بالكاد تبصران، ووجه أصفر ممتقع، مفتتحاً بذلك أعراض اليوم الأول. رمضان في بلدنا له طقوس رائعة، قد لا يدركها سوى من عاش مغترباً عن الأهل والدار، قبل الاغتراب كنت أسبّح في وجه أمي طوال النهار، وابتهل في عينيها إلى الله، كان يتصاعد صوت مدقّ البهار في غرفتها، ورائحة القهوة المغلية تفوح مع انحسار ضوء الشمس عند الغروب، كانت تسألني عن اليوم الأول، وتحضّر لي الطبخة التي أحب، وبعد الاغتراب فقدت الطقوس ألوانها كقميص قديم، ليغدو الصيام صياماً عن الحب والذكريات، صياماً حتى عن وجه أمي.

ينتصف النهار، وتكتمل دائرة التثاؤب في البيت، وفي العمل، وفي المسجد، فلغة التثاؤب هي لغة التفاهم الوحيدة بين الصائمين، فإذا ما أخذت أوراقك واتجهت إلى دائرة حكومية، قابلك الموظّف بتثاؤب، تستطيع أن تفهم منه أنه صائم، وليس له «خلق للنظر في أي معاملة»، وإذا ما سألت زوجك عن إفطار اليوم، ستجيبك بتثاؤب مشابه تفهم منه أنها ستقوم بالواجب، وإذا ما سألت مديرك المتثائب عن زيادة في الراتب، تستطيع أن تفهم منه أنه «مش وقته».

أعود إلى البيت محدودب الظهر من الإنهاك والجوع، تماماً كقامة الشخصية الكرتونية «النمر الوردي»، أعد الساعات التي ستوصلني إلى مدفع الإفطار، ناظراً إلى الروزنامة، متأكّداً من موعد الأذان، حافظاً عن ظهر قلب مواعيد الصلوات الخمس، حتى في نيروبي. قبل الإفطار تماماً أنظر في المرآة للمرّة الأخيرة، فأرى عينين زائغتين غير واضحتين، تماماً كعيني كوفي عنان، فأتأكّد أنه قد «حكم الوقت» ودخل موعد الأذان، مختتماً بذلك أعراض اليوم الأول.

ahmedalzoubi@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه.

تويتر