أبواب

شعر الرداءة

خليل قنديل

ما من قناة إبداعية تم تجريحها والاعتداء عليها في تاريخنا الثقافي مثل الشعر، وظل الشعر يدافع عن نفسه بجرأة حضوره التاريخي في وجدانياتنا، مثلما ظلّ يَجُبّ التفاهة التي غمرت مضامينه واحتالت عليه باسم تحولات سياسية، وأخرى اجتماعية، فصرنا في بعض الأحيان لا نميز بين الخطبة النارية التي تتوسل التصفيق، والقصيدة.

وفي مضارعنا العربي الثقافي الراهن صار الشعر مطية سهلة لكل من أراد أن يصبح شاعراً، حيث يتلقى ببساطة تامة كل التسهيلات التي تؤهله لذلك، فنحن في زمن اختلطت فيه الأشكال الشعرية بين القصيدة العمودية وقصيدة التفعيلة وقصيدة النثر، وحتى تلك القصائد الثرثارة التي تأبى أن تحمل اسماً.

ورغم كل هذا التجني في الاعتداء على الذائقة الشعرية العربية، فنحن قلما نجد ناقداً تبرع بالكشف عن سوءة الشعر العربي الدارج في الساحات الثقافية العربية، وقلما نجد جهات تقوم بالتمحيص ضد فكرة الشعر الرديء للكشف عن تزوير مرحلتنا الشعرية التي تورمت كمياً بمثل هذا الشعر.

وفي هذا الإطار دعونا نرى ظاهرة الشاعر السوري الشاب، ابرهيم حسو، الذي أفردت له صحيفة «الشرق الأوسط» مساحة ليتحدث عن الشعر الرديء، وكيف أن هذا الشاب يمتلك الجرأة الإبداعية حيث نشر قبل سنوات مجموعته الشعرية الأولى «الهواء الذي أزرق» ولأنه وجدها مجموعة رديئة ولا تستحق القراءة، ولا تضيف شيئاً إلى المنجز الشعري، جمع ما تبقى من أعداد مجموعته وقام بحرقها أمام عتبة منزله، في حي الكورنيش بالقامشلي، وعن السبب قال إبراهيم حسو وقتها «كان الأجدى بي الانتظار قرناً آخر لأكتشف المعنى الحقيقي للشعر، الشعر بالنسبة لي لم يكن المنقذ بقدر ما كان هذياناً ولعباً في أزقة اللغة من دون رقيب، وكسر مفتعل لأرجل الشعر السبع والأربعين».

ويتابع «منذ أكثر من ‬15 عاماً وأنا أهيئ نفسي للشعر، وأعد العدة للخوض في ساحاته البيضاء، لكني شعرت ساعة المواجهة كأني أواجه نقيض الشعر، بل قشوره، وأرعبتني سطوة اللامعنى ودفعتني إلى أن أبقى خارج اللغة، لقد صدمتني الحداثة برجلها ورمتني خارج أسوارها في مكان مظلم وقاتم، لقد فشلت في الشعر، وها انا أدفع ضريبة خيانتي، وأكرر اعتذاري لكل من اشترى هذا الكتاب، وللوقت الثمين الذي أضاعه في قراءة هذا الكتاب».

إن ظاهرة الكشف عن الزيف الذاتي التي أعلنها هذا الشاب السوري تحتاج منّا بالفعل إلى تعميق هذه الجرأة، وهذا النهج، عند جيل كامل من الشعراء العرب، حيث المكاشفة الإبداعية في أعلى درجات المسؤولية والكشف عن الزيف السائد في شعرنا الذي تحول الى لغو وجعجعة لغوية أقل ما يقال عنها إنها شعر الرداءة بامتياز، والشكر كل الشكر للشاب السوري الجريء «إبراهيم حسو».

khaleilq@yahoo.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر