‬5 دقائق

بين أحضان الطبيعة

سامي الخليفي

كل محارب يمنح استراحة وكل زوج يستحق إجازة، وحكايتي بدأت مع انتهاء معرض الكتاب الذي شاركت فيه بصفة «تفق برزة»، إذ قررت السفر إلى سويسرا، وعلى طريقة التاجر لما يفلس، ذهبت أبحث في دفاتري القديمة عن أي شخص قمت بتسليفه، وبعد دوخة رأس وطول تفكير، تمكنت وبكل فخر من بيع طقم ذهب كانت تحتفظ به زوجتي تحسباً لأي مناسبة سعيدة - وفاتي مثلا- فغادرت المنزل متسلحاً بالثقافة ولعنات الزوجة وطلبات الأولاد ومبلغ مالي يمكنني من البقاء على قيد الحياة لمدة أسبوع، فأنا حتى اللحظة مازال تصنيفي ضمن فئة محدودي الدخل، وهو الاسم المؤدب للفقير! مع هذا وصل بي الفجور أن قصصت شعري - سبايكي - ووضعت عليه جلاً وعصرت فوقه ليمونتين.

وأعطني حريتي أطلق يديا، فوصلت إلى جنيف ووجدت فيها نظافة وذوقاً مع حرص أرستقراطي بغيض، وأما ريفها فيعجز أكثر شعراء الملايين فحولة عن وصفه بقصيدة عصماء من ألف ألف بيت، وضربت في البلاد بلا غاية أو هدف، وأخذت لفة - يعني تور - من جنيف إلى الركن الهادي على خريطة سياحة المنتجعات انترلاكن، ومنها إلى لوزيرن ومن بعدها زيوريخ، والبلد جميل من غير حيثيات أو تفاصيل ومعالمه فتاكة، فالروابي خضراء تسر الناظرين وتشرح الفؤاد «مين فؤاد»، كما أن طبيعته هيجت وجدي «وجدي مين»، وفتحت شهيتي للكتابة، وجعلت أصابعي تستعيد لياقتها، فهنا «طبيعة تلاقي، أبقار تلاقي، دراجات هوائية تلاقي، صناعة ساعات تلاقي»، أما القطارات التي تعتبر درة تاج المواصلات فخدماتها ممتازة ومواقيتها منضبطة كالساعة السويسرية تماماً، وهيئة سائقها تدل على أنه طيار وليس - شوفير- وأما سؤالك عن الشحاذين، فتجدهم أناساً رايقة وفايقة والعياذ بالله، إذ يعزفون على الأرصفة نوعاً من التسول المؤدب ويستجدون المارة على الطريقة الأوروبية دون أن يكلف الواحد نفسه، ويقول لك «شي لله»، وأما استفسارك عن المهرجانات والاستعراضات فهي منتشرة وبكثرة، ويكون حق الفرجة فيها مكفولاً للجميع وببلاش، يعني باختصار، هي بلد لا تصلح إلا للإجازة وتشييد الذكريات بعيداً عن صدعة العيال.

تصرفت في بلاد الخواجات برقة وشاعرية وعصرية، فالوضع أشبه بالحلم، ولأني ضعيف في -علم الثلج- فقد ألغيت فكرة التزلج من أعلى قمم جبال الألب، تلك الجبال التي تأتي إليك فيها البقرة الحلوب تتهادى في مودة ووئام وتقول بلسان الحال «احلبني»، والبلد كما أخبرني صانع ساعات كفيف، له ميزانية بلا ميزان، وقانون يسود بلا قانون، والشعب لا يلجأ إلى التعقيد ولا يعرف الروتين ويكره البيروقراطية، ولا يتهادى المناصب «تصور!»، فيا أيها الزوج، بيع ذهب حرمتك، وسافر ففي الأسفار خمس فوائد، تفريج هم، واكتساب معيشة وعلم وآداب وصحبة ماجد «مين ماجد!».

samy_alain@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر