‬5 دقائق

غلاة الطاعة!

د.عبدالله الكمالي

عرض المسائل الدينية المختلف فيها بين الناس على كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم بفهم الأئمة العلماء هو الواجب على المسلم، وبهذا الميزان الدقيق سيتمكن من النظر في المسألة والوقوف على الصواب إن شاء الله، فلا قيمة للألقاب والأوصاف إن كانت مغايرة ومخالفة لنصوص الكتاب والسنة، فكم من ألقاب يطلقها بعضهم ولا اعتبار لها في الواقع، لأنها تخالف حقيقة من أطلق عليه هذا الوصف واللقب، فقد يُسمى بعضهم بالمصلح وهو في الواقع ينشر فكراً متطرفاً منحرفاً، وقد يلقب بعضهم بالمجاهد وحقيقة عمله سفك لدماء الأبرياء، وقد تطلق بعض الألقاب للتنفير أو لصرف الناس عن الحق ومن هذه الألقاب: «غلاة الطاعة»! فهو لقب يطلق على من يدعو للسمع والطاعة لولي الأمر المسلم، ويطلق هذا اللقب أيضاً على كل من يدعو إلى علاج أخطاء الحكّام بالضوابط الشرعية والنصيحة السرية للحاكم، ولو استعرضنا أدلة الكتاب والسنة وأقوال أهل العلم فإننا نجزم بأن هذا اللقب أطلقه بعضهم للتنفير من الحق، فالأدلة المتكاثرة تدل على وجوب السمع والطاعة لولي الأمر المسلم، وتحريم الخروج عليه حتى لو كان ظالماً، ففي صحيح مسلم عن عوف بن مالك، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، ويصلون عليكم وتصلون عليهم، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم، قيل: يا رسول الله، أفلا ننابذهم بالسيف؟ فقال: لا ما أقاموا فيكم الصلاة، وإذا رأيتم من ولاتكم شيئاً تكرهونه فاكرهوا عمله ولا تنزعوا يداً من طاعة». فهذا نص صريح في كيفية تعامل المسلم مع حاكمه إن كان ظالماً، وثبت عن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، أنه قال لسويد بن غفلة: «لا أدري لعلك أن تخلف بعدي، أطع الإمام وإن أمر عليك عبداً حبشياً مجدعاً، وإن ظلمك فاصبر، وإن ضربك فاصبر..».

وجاءت كلمات أئمة العلم في تقرير هذا الأصل العظيم: السمع والطاعة لولي الأمر متكاثرة متوافرة، فمن هذه الأقوال ما سطره الطحاوي في عقيدته المشهورة: «ولا نرى الخروج على أئمتنا وولاة أمورنا وإن جاروا، ولا ندعوا عليهم، ولا ننزع يداً من طاعتهم، ونرى طاعتهم من طاعة الله عز وجل فريضة، ما لم يأمروا بمعصية، وندعوا لهم بالصلاح والمعافاة».

فهذه الكلمات تؤكد أن إطلاق لقب «غلاة الطاعة» على من يدعو للسمع والطاعة لولي الأمر، وتحريم الخروج عليه غير صحيح، ومن تأمل في التاريخ وواقع الناس يرى أن الخروج على ولاة الأمر جر إلى مفاسد عظيمة جداً، فكم أريقت من دماء وأزهقت من أرواح بسبب هذا الخروج، والحل الشرعي الصحيح أن توجه الشعوب بالصبر على جور الحكام والإقبال بالتوبة والإنابة لله عز وجل، فوصف الإنسان بأنه من غلاة الطاعة أيسر جداً من أن تراق دماء الأبرياء بسبب تشجيعه لهم على الخروج على ولاة أمرهم.

مدير مشروع مكتوم لتحفيظ القرآن الكريم بدائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري بدبي

alkamali11@

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر