صناعة التعليم

هل نحن مستعدون؟

د. عبداللطيف الشامسي

هل نحن مستعدون لوظائف لم تُوجد بعد؟ نحن نعيش في عالم متغيّر ومتسارع فرضت خلاله التقنيات والابتكارات الحديثة نفسها على جميع المهن والوظائف، حتى أصبح من الصعب التكهّن بطبيعة الوظائف والمهن التي ستتاح في غضون بضعة أعوام من الآن، إذ إنّ عدداً من الوظائف ستختفي وأخرى في طريقها للمصير نفسها، لتحل محلها جميعاً وظائف حديثة ذات طبيعة ومواصفات خاصة ومسمّيات جديدة، أضف إلى ذلك صعوبة التنبؤ بالتقنيات التي لم يتمّ اختراعها بعد! فكيف لنا أنْ نصمّم البرامج التخصصية والمناهج الدراسية التي تُعِدُّ جيل اليوم -جيل الآي باد- للوظائف التي لم تُوجد بعد! فالتحدّيات التي تواجه أبناءنا تزداد يوماً بعد يوم، ومنذ بزوغ شمس العولمة أصبح التنافس عالمياً ليس على مستوى الشركات فحسب، بل كذلك على مستوى الأفراد الذين يجب عليهم أن يتمتّعوا بكفاءات ومهارات عالية تواكب متطلّبات وظائف المستقبل.

وللمقارنة ففي مطلع القرن الماضي كانت مهارات الطباعة على الآلة الكاتبة كفيلة بضمان وظيفة ذات مردود عالٍ، أمّا اليوم فقد أصبح احتراف مهارات استخدام الحاسوب من المتطلبات الأساسية لأي مهنة، وليس ميّزة، ففي عصر التكنولوجيا لم يعد مفهوم محو الأمية محصوراً في معرفة القراءة والكتابة، بل أصبح يُقاس بمدى مهارة الفرد في استخدام الحاسوب، كذلك في هذا العصر فإنّه مَن لا يملك لغتين إضافةً للّغتة الأمّ التي يتكلمُها فقد فاتَه كثير.

ومن أجل إعطاء أبنائنا ميزة تنافسية في عصر المعلومات والاقتصاد المعرفي العالمي، نجد أنّ هناك حاجة ماسة إلى إحداث نقلة نوعية حقيقية في النظام التعليمي، نقلة تتطلب عملية جديدة لبناء رأس المال البشري في منظومة الاقتصاد المعرفي بدءاً من مرحلة رياض الأطفال، التي يجب أن يتمّ خلالها تأسيس مهارات التفكير الناقد وأساليب البحث العلمي، وغيرها من مهارات التواصل والعمل الجماعي، التي تؤسس في النشء حبّ الإبداع والابتكار، الأمر الذي نضمن من خلاله تخريج أجيال جديدة من الكوادر الوطنيّة المؤهّلة والقادرة على القيام بالمهامّ التي تتطلبها وظائف المستقبل.

وقد أشارت الدراسات حول متطلبات مهن المستقبل إلى أنّ هناك قائمة من ‬10 مهارات عمل يجب أن يمتلكها رُواد المستقبل، وهي: (‬1) تفعيل البديهة ''Making Sense'' وتعني القدرة على تحديد المعنى الأعمق أو حقائق الأمور(‬2) الذكاء الاجتماعي ''Social Intelligence'' وهو القدرة على التواصل مع الآخرين بطريقة تركّز على ردود الأفعال والتفاعلات المطلوبة (‬3) التفكير الخلاق التكيّفي ''Novel and Adaptive Thinking'' وهو البراعة في التفكير وابتكار حلول على نحو أبعد مما هو ظاهر (‬4) كفاءة العمل في بيئة متنوّعة الثقافات ''Cross Cultural Competency" (5) التفكير الحسابي ''Computational Thinking'' وهو القدرة على تحليل البيانات إلى مفاهيم من أجل الوصول لاستنتاجات عمليّة (‬6) الإلمام بوسائل الإعلام الجديدة '' ''New Media Literacy وهو حسن استخدام الأشكال الجديدة من الإعلام خصوصاً وسائل التواصل الاجتماعي (‬7) تعدّد المجالات ''Trans-disciplinarily'' وهي القدرة على فهم الموضوعات والمفاهيم في مجالات متعدّدة (‬8) الفكر المعتمد على التصميم ''Design Mind-set'' وهي القدرة على إعادة تصميم إجراءات العمل وتطوير المهام من أجل الوصول إلى المخرجات المطلوبة (‬9) الإدارة الذهنيّة للأعباء ''Cognitive Load Management'' وهي القدرة على تمييز المعلومات وترتيب الأولويات لإدارة أعباء العمل (‬10) التعاون الافتراضي ''Virtual Collaboration'' وهو القدرة على العمل بإنتاجية عالية من خلال المشاركة الفعّالة في عالم الفريق الافتراضي.

وبمراجعة متأنّية للمهارات العشر يتبيّن لنا أنّ الشهادات والمؤهلات الجامعية بمفردها لم تعُدْ كافية لتلبية متطلبات سوق العمل، إذ لابدّ أن يتوافر لدى الخرّيجين مهارات شخصيّة وخبرات خاصة تمكنهم من النجاح في الحياة العملية والمنافسة، وتجعلهم مؤهّلين ومستعدين للعمل في الوظائف المستقبلية أيًّا كان نوعها.

ومع إدراكنا أهمية تلك المهارات لوظائف المستقبل، إلا أنه لا يمكن تحقيق ذلك إلا من خلال بناء جيل ترسَّخَتْ فيه قيم العمل وأخلاقيّاته الأساسية، مثل الجدّية والاجتهاد والدّقة والانضباط والطموح والمثابرة والشعور بالمسؤولية والمحافظة على الوقت وحسن استغلاله والتعاون والتكامل والعمل الجماعي والانتماء والرقابة الذّاتية... إلخ، حيث يقع جزء كبير من مسؤولية بناء هذه القيم على عاتق الأسرة أولاً، ثم مؤسسات التعليم، لننطلق من خلالها نحو وظائف المستقبل التي لم تُوجد بعد.

Abdullatif.alshamsi@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر