مزاح .. ورماح

حضرة المحاضر

أحمد حسن الزعبي

وضع فنجان قهوته على الطاولة، أغلق عليه باب غرفته، قام بتشغيل جهاز الكمبيوتر ، ثم دفع «cd» الموسيقى الهادئة في قرص التشغيل.. فتح ملف «word» جديداً، وما إن بدأ يكتب التاريخ والعنوان حتى انطلق صوت المكنسة الكهربائية الخشن خارج الغرفة، نهض عن كرسيه غضباً فتح الباب بعنف، ثم صاح بزوجته: «اطفي المكنسة، مش شايفيتني بكتب، عندي محاضرة»! وبالفعل أطفأت الزوجة «الماكينة»، وسحبتها إلى الداخل، فعاد إلى مقعده يستأنف الكتابة، وما إن طبع العبارة التالية: «لم يعد خافياً على أحد أن عصر...»، حتى برز صوت خلاط الجزر من المطبخ، ترك لوحة المفاتيح ثم خرج من جديد لمعرفة قصة زوجته، التي لم تدع أداة مزعجة إلا واستخدمتها أثناء خلوته.. اقترب منها قائلاً بمزيد من عبارات ضبط النفس: «الله يعطيك ألف عافية، بعرف انك بتتعبي، وشغل الدار كثير، عشان هيك بقول لازم تنامي ثلاث ساعات على الأقل، حتى أكتب المحاضرة»، ففهمت الزوجة أن هذه الأمنيات اللطيفة تحمل في طياتها تهديداً مبطناً، فتركت المطبخ وقعدت في غرفة الجلوس، تتابع قناة «فتافيت»،

بعد دقائق خرج الرجل مهدداً أحد الأولاد بضرورة تخفيض صوت «البلاي ستيشن»، وعدم الإزعاج، متبعاً تهديده بعبارة «إن شاء الله بسمع نفس»، وبعد أقل من خمس دقائق قام وأسكت ابنه الأوسط بعد أن لوى «إذنه» ‬360 درجة بسبب صراخه المتواصل، وعندما تعالى صوت الضحك في الصالة، كان يخرج والنظارة بالكاد تجلس على حافة أنفه، يصفع كل من يضحك بمقدار الضحكة ويعود إلى الكتابة.. الأمر لم يكن يقتصر على أهل البيت فقط، أحياناً إذا صدر صوت في الحي، أو من بيت الجيران المقابل، كان يخرج رأسه من النافذة، ويصيح بأعلى صوته ويهدد بالطريقة نفسها: «هي أنت يا.. شوي شوي.. مش عارف أكتب.. عندي محاضرة»! بقي على هذه الحال حتى تحوّل البيت إلى مجموعة من التماثيل الصامتة كلّ يجلس في مكانه.. لا كلام، لا ضحك، لا حركة، لا نفس، فبدأ يحضّر لمحاضرة الغد التي اختار عنوانها «خطر تقييد الحريّات في العالم العربي»!

ahmedalzoubi@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه.

تويتر