كل يوم

قرض الحاجة.. وقروض الوجاهة!

سامي الريامي

بقي أن أختم اليوم مقالات القروض، التي ركزت فيها على استغلال البنوك للمواطنين، من خلال إغرائهم وتوريطهم في منتجات مصرفية، يتركز جلها في قروض شخصية، وحجم الأرباح الضخمة التي تجنيها البنوك، جراء فوائد هذه القروض، والمكافآت والمزايا الخيالية والرواتب العالية، التي يتقضاها أعضاء مجالس الإدارات وكبار التنفيذيين في البنوك، نظير هذه الأرباح، التي تشجعهم على الاستمرار في «إغراق» المواطنين بالقروض، طمعاً في تعظيم الأرباح!

ولن نختلف على الدور السلبي، الذي تقوم به هذه البنوك، في هذا الجانب الذي يشكل ضرراً على الفرد والمجتمع والدولة، كما لن نختلف على سلبية دور المصرف المركزي، الذي لايزال غائباً عن ضبط هذه الظاهرة، على الرغم من وضوح الصورة لديه بالأرقام والبيانات المالية!

لكن أيضاً لابد من الإقرار، والاعتراف، وعدم الاختلاف أيضاً على الدور السلبي لدى كثير من المستهلكين، الذين ينجرون وراء عروض البنوك، كما ينجر الصغار إلى لعب الأطفال، لدرجة وصول بعضهم إلى مرحلة «إدمان القروض»، وتجديدها سنوياً وبفائدة متزايدة، وبإجمالي يصل إلى أكثر من ‬20 عاماً!

هناك من اضطر إلى الحصول على قرض، لن نختلف على ذلك، لكن النسبة العالية جداً من المواطنين المقترضين في الإمارات تجعلنا نتساءل أيضاً عن مدى اضطرار كل هؤلاء إلى الاقتراض، ما يرجح وجود عدم وعي بخطورة القروض، واستسهال الحصول عليها، وغياب التخطيط السليم للميزانية المنزلية، وفق قاعدة «مد ريولك على قد لحافك»!

مجتمعنا استهلاكي إلى حد غير معقول، والنمط السائد سلبي وضار، ونتيجته أصبحت واضحة، وهي مواطنون مكبلون بديون معقدة، ستستمر معهم طوال حياتهم وحياة أبنائهم، في مقابل بنوك متضخمة الأرباح، وتالياً فإن الملومين هم المستهلكون، والبنوك، والمصرف المركزي!

هناك من يقترض لحاجة، بل إن جميع المقترضين يرون أنهم توجهوا إلى القروض لحاجات ضرورية، مثل شراء السيارات، وبناء المنازل، لن نجادلهم في ذلك، لكن ما هو غير منطقي المبالغة الكبيرة في قيمة هذه القروض، ما يعكس تجاوز الحاجة الضرورية، إلى وجاهة غير ضرورية، عند أعداد كبيرة جداً من المقترضين!

ليس ذلك تجنياً، بل هو أرقام واقعية، فبيانات المصرف المركزي تشير إلى أن إجمالي القروض الشخصية ـ من بطاقات ائتمانية، وقروض للأفراد، وتمويل سيارات، وغيرها ـ بلغ، نهاية العام الماضي، ‬260.9 مليار درهم، دون احتساب التمويلات العقارية، سواء التجارية، أو الخاصة ببناء المساكن، والتي وصلت ـ نهاية العام الماضي ـ منفردة إلى ‬235.8 مليار درهم، ما يعني أن قروض الأفراد (شخصية وعقارية)، تبلغ ‬514.7 مليار درهم!

قروض سيارات، ومنازل، وبطاقات ائتمانية، تتجاوز ميزانيات أكثر من خمس دول عربية مجتمعة، وإذا قسمنا هذا الرقم الضخم، على أعداد القوى العاملة المواطنة القادرة على الاقتراض، والتي لا تتجاوز ‬250 ألف نسمة!

الأرقام لا تكذب دائما، وهي تعكس مؤشرات حقيقية، فهناك آلاف لجأوا إلى القروض كعادة، تحسيناً لوضع اجتماعي، أو تقليداً لصورة نمطية، أو اتباعاً لنمط استهلاكي عام منتشر في المجتمع، فهل لنا أن نرفع الوعي الاستهلاكي، لمكافحة استغلال البنوك للمواطنين؟!

twitter@samialreyami

reyami@emaratalyoum.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر