‬5 دقائق

عقوق الأبناء

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

العقوق آفة اجتماعية ناشئة عن أخلاق غير سوية؛ لأنه ضد الإحسان الذي أمر به الملك الديان، وهو من موبقات الذنوب التي تجعل المرء في هلكة من دينه ودنياه، فقد جاء أعرابي إلى النبي، صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، ما الكبائر؟ قال: «الإشراك بالله» قال: ثم ماذا؟ قال: «عقوق الوالدين» قال: ثم ماذا؟ قال: «اليمين الغموس» قلت: وما اليمين الغموس؟ قال: «الذي يقتطع مال امرئ مسلم، هو فيها كاذب».

فقد جعل النبي، صلى الله عليه سلم، العقوق مرتبة ثانية بعد الشرك بالله تعالى، الذي هو الظلم العظيم، والذي لا يغفره الله لصاحبه قطعاً، وكأنَّ العقوق قريب من تلك المرتبة جُرماً وإثماً وحرماناً من المغفرة؛ لما فيه من بالغ الأذى بمن يجب له الإحسان، ومن له حق الامتنان، إنه أقرب الناس إليك، وأحسنهم عليك، وأمنّهم بعد الله ورسوله، صلى الله عليه وسلم، لك، مَن أنت بَضعة منه، والذي يجدر بك أن تسر لسروره وتحزن لحزنه، لا يخالف حالك حاله، بل ولا مقالك مقاله إلا في الحق من غير تجريح، ذلك هو الوالد الذي طالما تمنى أن تكون قرة عينه، وسلوة حزنه، الذي أضاءت له الدنيا بولادتك، وتعب من أجل راحتك، وسعى إلى مرضاتك في طفولتك، ولو لم تسعه حاله لربما تجشم الصعاب من أجلك، وركب الصعب والذلول لتحقيق رغبتك، أفنسيتَ يا أيها الولد ذلك الحال يوم أن طَرَّ شاربُك، واشتد عودك؟ إن هذا لا يكون من ذوي المروءات، فضلاً عن ذوي الديانات، فإن الأحرار يُستعبدون بالإحسان، كما قالوا:

أحسن إِلَى النَّاس تستعبد قُلُوبَهم ... فطالما استعبد الإنْسَانَ إِحْسَانُ

فمن يا ترى أحسن إليك في هذه الدنيا ممن تعرف من الناس كوالديك؟

أقول هذا وكثير من الناس منغمسون في العقوق وهم يرون ذلك من لَمم الذنوب، أو لا يعدونه شيئاً، سبب ذلك عدم معرفة حقيقة العقوق شرعاً.

وحقيقته هي كل فعل يتأذى به الوالد أو نحوه تأذياً ليس بالهيِّن، مع كونه ليس من الأفعال الواجبة، وربما قيل: طاعة الوالدين واجبة في كل ما ليس بمعصية، ومخالفة أمرهما في ذلك عقوق، وقد أوجب كثير من العلماء طاعتهما في الشبهات، لئلا يتأذيا أذى شديداً فيكون عاقاً، بينما هو في سعة في الشبهة، إذْ تركها من الورع وليس من الواجب.

وما الأذى الشديد؟ إن قلب الوالدين كالمرآة ينطبع فيها قليل الأذى فضلاً عن كثيره، بقدر ما كانا يؤملانه من البر.

فالإعراض عنهما أذى شديد، وعدم لين الكلام معهما أذى شديد، وعدم مشاورتهما أذى شديد، وعدم تقبل نصحهما أذى شديد، وعدم التودد لهما بطيب القول ويسير البذل أذى شديد، فضلاً عن أن يكون غلظة في القول، أو حرماناً من عطاء مع الحاجة لذلك، ناهيك عن أن يكون استحوذاً على حقه، أو تسفيها لفعله أو قوله، فإن ذلك من أعظم الآثام، التي يعاجل الله العقوبة عليها فإنه «ما من ذنب أحرى أن تلحقه عقوبته في الدنيا والآخرة من قطيعة الرحم، والبغي».

كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه.

تويتر