صناعة التعليم

ثنائية اللغة

د. عبداللطيف الشامسي

اللغة العربية حاملة رسالة الإسلام بلسان عربي مُبين، وهي حاضنة الحضارة العربية، وناقلتها إلى الأمم والشعوب، وذاكرتُها على مر العصور، وهي لغة الإعجاز الإلهيِّ والإبداع الأدبي، ولَمَّا زاد الاهتمام بالعلم كانت اللغة العربية، اللغة الأولى في العالم، فنطقَ بها المسلم وغيرُه، لما أهدته هذه اللغة من علوم انتفعت منها البشرية بكلّ أشكالها وألوانها، وصارت ضرورة دعت كبار العلماء من غير العرب إلى أن يترجمُوا علومهم بها، لأنّ العلم كان عربياً.

لكن علينا أن ندرك اليوم أن اللغة الإنجليزية فرضت نفسها على الجميع لغةً للعصر، خصوصاً في مجالات التقنيات الحديثة، ووسيلةً عالميةً أساسية، يتمّ من خلالها التواصل بين شعوب العالم، لذلك فإن تمكين أبنائنا من التعلّم باللغة الإنجليزية وتنمية مهارات الاستماع والقراءة والكتابة والتحدث إلى المستوى المطلوب، أصبح ضرورياً للمنافسة عالمياً، سواء في سوق العمل أو عند الالتحاق بمؤسسات التعليم العالي، ما يفتح لأبنائنا آفاقاً مستقبلية، ويربطُهم بآخر مستجدات العصر.

فإن الاهتمام باستخدام اللغة الإنجليزية ضمن المناهج الدراسية لا يتعارض البتة مع هويتنا العربية، ولا يُسهم في إضعاف قدرة النشء على استخدام لغتهم الأم بطلاقة، إذ تشير الدراسات اللغوية إلى أنّ إتقان اللغة الأم أو تعلمها في مراحل مبكرة ينمّي قدرات الطفل الفكرية والاجتماعية، التي يستطيع بها أنْ يطوّر قدراته لتعلّم لغةٍ ثانية، ومن ثَمَّ فإنّ نجاح الأطفال في تعلّم اللغة الثانية يقوم على أساس خبراتهم المتميزة التي حصلوا عليها من تعلم لغتهم الأم، ولذلك فهم لا ينقطعون أبداً عن تطوير لغتهم، بل يضيفون إليها مهارات التحدث والتواصل باللغة الأخرى، لذلك فإنّ ثنائية اللغة لا تتعارض مع هوية الطفل الأصلية، ولا تُعد مشكلة لمعظم الأطفال الذين ينشَؤون ويتطوّرون بشكلٍ طبيعي مع كلتا اللغتين.

ولتعزيز حسن استخدام اللغة العربية في مجتمعنا والمحافظة على هويتنا وثقافتنا العربيتين، لابد من صياغة آلية يمكن تنفيذها على أرض الواقع، ففي مقالنا السابق تطرّقْنا إلى إمكانية استحداث اختبارات قياسية موحَّدة، يتم بها تقييم مستوى الطلبة في المهارات الأساسية، وهي مهارات القراءة والكتابة باللغتين العربية والإنجليزية، ومهارات التفكير التحليلي والحساب، مع ضرورة تطبيق هذه الاختبارات القياسية الموحَّدة في مراحل مفصلية مبكرة (في نهاية كل حلقة)، على أن تطبق في جميع المدارس بالدولة بغض النظر عن طبيعة المنهاج المتبع فيها، وهنا تبرزالفرصة الفعّالة لحماية اللغة العربية عن طريق طرح اختبارات قياسية في اللغة العربية للناطقين بغيرها من الطلبة الدارسين في الدولة، لتعزز فرص التواصل مع المجتمع المحلي باللغة العربية، كما أن هناك الكثير من الأجانب المقيمين على أرض الدولة لسنوات عديدة يشعرون بالأسى عند مغادرتهم الدولة بعد تلك السنين التي عاشوها في وطننا العربي دون أن يتعلموا اللغة العربية، خصوصاً من تربّى منهم على هذه الأرض الطيبة، ومن هنا تبرز مسؤوليتنا في نشر لغتنا «لغة القرآن» بين شعوب العالم، التي تجتمع على كل الحبّ والخير في دولة الإمارات العربية المتحدة، لذلك فإن فكرة إدراج اللغة العربية ضمن المناهج الأجنبية ستزيد من احترام الأجانب للغتنا، وفي الوقت نفسه ستسهم في ارتقاء استخدام اللغة العربية في أوجه التعاملات اليومية كافة بالشكل الأنسب، إضافة إلى منْح هؤلاء الأجانب الفرصة للاطلاع على هويتنا وثقافتنا العربيّتين الأصيلتين. وبناءً على ذلك فإننا نؤكد أنّ القناعة بأهمية ثنائية اللغة لهذا الجيل (جيل الآي باد) أصبحت من ضرورات العصر، إلى حدّ يمثّلُ التكامل بين التأسيس والبناء بلغتنا العربية، وبين التعزيز والتطوير بلغة التواصل العالمية (اللغة الإنجليزية)، لتحقيق مجتمع الاقتصاد المعرفي.

Abdullatif.alshamsi@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر