كل يوم

توظيف المعاق.. أو دفع راتبه!

سامي الريامي

شخصياً كنت أحد المستغربين من علاقة واهتمام وزارة الداخلية بتأهيل وتشغيل ذوي الإعاقة، لدرجة إنشاء مراكز خاصة لهم، يقيمون ويتدربون فيها على مدار الساعة، لكنني عرفت السر بعد أن زرت هذه المراكز في مدينة العين، واطلعت عن كثب على تجربة مذهلة وناجحة، تعيد الحياة الكريمة إلى فئة من إخواننا وأبنائنا يعانون بشدة وصمت في زمن متسارع، لا يهتم كثيراً بتفاصيل معاناتهم اليومية، التي لم يكن لهم فيها ذنب يذكر سوى أنها الأقدار، وحكمة من رب العباد الذي يصرّف هذه الأقدار بين البشر.

بداية أطلعكم على سر ارتباط المراكز بـ«الداخلية»، فهذه حكمة من حكيم العرب الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمة الله عليه، فهو من أمر وزارة الداخلية بتدريب المعاقين وتشغيلهم، وكان ذلك من أجل أن يضرب مثلاً لكل متكاسل عن العمل من الأصحاء، بإنجاز هؤلاء وحماسهم ومقدرتهم على تحمل المسؤولية والإنتاج، على الرغم من إعاقتهم الحركية.

ومنذ ذلك الحين والوزارة تستقبل مئات المعاقين من مختلف أنحاء الدولة، يقيمون في مراكز مخصصة لهم، يعيشون فيها جواً من حياة العائلة الحميمة مع أقرانهم، يتدربون لمدة خمسة أشهر على برامج متخصصة جداً تناسب قدراتهم، وبعد نجاحهم وإثباتهم قدرتهم على العمل، يتم تشغيلهم، وخلال ‬10 سنوات استطاعت مراكز وزارة الداخلية توظيف ‬462 معاقاً من أصل ‬573 التحقوا بتلك المراكز.

لكن المسألة لم تتم بسهولة، فالاهتمام بفئة المعاقين يجب أن يصبح ثقافة عامة لدى الجميع، وقبل أن يكون كذلك يجب أن تكون هذه الثقافة مقرونة بقوانين ملزمة قابلة للتطبيق والتنفيذ، وليست قوانين مظهرية لا تنفعهم سوى للحصول على مواقف سيارات قريبة من بوابة المراكز!

المعاقون يحتاجون إلى الكثير، وأهم ما يبحثون عنه هو كرامتهم، وأهم مكونات هذه الكرامة الحصول على وظيفة، ليس من باب العطف عليهم، بل لأنهم جديرون بها، ولن أبالغ إن ذكرت أن منهم من ينتج أكثر من زميله السليم في بعض المهن التي يجيدونها، طبعاً هذا ليس تعميماً لكن للتأكيد على أنهم يستحقون تخصيص بعض الوظائف المناسبة لهم.

القطاع الخاص ـ كعادته ـ بعيد تماماً عن هذه القضية، لم يسهم فيها، وهي لا تعنيه أبداً على ما يبدو، وخلال ‬10 سنوات لم يوظف هذا القطاع سوى ‬37 معاقاً فقط، وتالياً فإن ترك المجال «اختيارياً» لفتح مجالات توظيف للمعاقين في القطاع الخاص سيجعله يراوح مكانه، فكيف يمكن إقناع الشركات بذلك، وهي التي لم تقتنع إلى اليوم بتوظيف المواطنين الأصحاء والمؤهلين؟!

الحل إذن في فرض نسبة تعيين بسيطة جداً لذوي الإعاقة في الشركات، ولتكن ‬1٪ مثلاً، أو تدفع الشركة ‬6000 درهم شهرياً، باعتبارها راتباً افتراضياً لمعاق يعمل لديها، على أن يوضع المبلغ في صندوق خيري يدعم مشروعات هذه الفئة، هذا هو الحل الأمثل، وهو ليس بدعة بل هو موجود في كثير من دول العالم، أما الاستمرار في سياسة المهادنة والود والدلال المفرط للقطاع الخاص، فنتيجته ستكون تحمل الحكومة وحدها أعباء توظيف جميع العاطلين، والخريجين الجدد، وذوي الإعاقة، فهل ستستطيع تحمل ذلك خلال السنوات المقبلة، وعلى المدى البعيد؟!

twitter@samialreyami

reyami@emaratalyoum.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر