أبواب

لماذا نحب الروايات؟

يوسف ضمرة

لمن تُكتب الرواية؟ لا أدعي أنني أعرف الإجابة الوافية، لكن بعض المتابعين سيجيبون على الفور: للناس. وحين تسأل سؤالاً لاحقاً: أي أناس؟ فإن قليلاً ممن يسمعونك سيجيبون، أما البقية فإنهم سيطلبون مهلة من أنفسهم ليفكروا في إجابة معقولة.

هنالك قراء كثيرون، ومتنوعون، لكن كثيراً من هؤلاء يعتقدون أن الرواية التي قرأوها للتو، منحتهم المتعة بما تنطوي عليه من جمالية ومعرفة، أما القلة منهم فهي التي تعرف أن هنالك أموراً أخرى مختلفة، تضاف إلى الجمالية والمعرفة، وهذا لا يعني التقليل من فئة قارئة والإعلاء من فئة أخرى، فكلا الفريقين محق تماماً، فالأول لأنه لولا الجمالية والمعرفة حقاً لما استمتع بالرواية، والثاني لأنه يدرك أن الرواية بجماليتها قد أثارت فيه مكامن شخصية.

يضرب علماء الجمال لنا مثلاً في استماع مجموعة لسيمفونية موسيقية لبتهوفن، ولتكن الخامسة، يقولون إن المستمعين كلهم سيتفقون على جمالية ما استمعوا إليه، خصوصاً إذا كانت الجماعة تمتلك ثقافة موسيقية متوسطة فما فوق، لكن كل فرد في الجماعة ستأخذه السيمفونية إلى عوالم خاصة، أحدهم سيتذكر حبيبته التي فارقته ورحلت، وثانٍ سيحلم بلقاء امرأة في مكان محدد أحبه ذات يوم، وثالث سيتذكر مأساة صديق، ورابع سيحلم بالمستقبل، وكما نلاحظ، فإن ما فكر فيه أفراد المجموعة ذو طابع حميم، وهو ما يجعل السيمفونية مؤثرة إلى حد كبير.

لا تختلف الرواية عن سيمفونية بتهوفن في شيء، فحين تقرأ مجموعة أفراد رواية «زوربا» مثلاً، فإن أحدهم سيتذكر رقصته مع حبيبته، وثانياً سيحلم برحلة إلى البحر برفقة حبيبة راهنة، وثالثاً سيشعر بألم الحرمان، ورابعاً سيفكر في المصير الإنساني.. إلخ.

لكن هنالك أمرا آخر في الرواية مختلفاً عن الأجناس الأدبية والأنواع الفنية الأخرى، وهو ما يسميه علماء النفس بالرواية الأسرية، فلكل منا روايته الخاصة، منذ أول فاصلة في الذاكرة حتى قراءة الرواية، وبمقدار ما يكون هنالك اقتراب في الرواية التي نقرأها من الرواية الأسرية، يكون التأثير أكبر بالضرورة. لا يفكر الروائيون في ذلك عند الكتابة، لكن الروايات الأسرية تتشابه جداً في مراحل الطفولة، تتشابه من حيث موقف الطفل والصبي من الأب والأم والأسرة كلها، ومن حيث أحلام الطفولة الأولى واللاحقة، ولا يستطيع الروائي أن يكف عن كونه شخصاً له طفولته وأحلامها الأولى واللاحقة، فهنالك شيء ما في داخله يقفز إلى قلمه ويكتب نفسه. والروائي الذي يعرف مسبقاً ما يريد قوله تماماً، ويفعل ذلك كما قرر من دون تحولات أو تغييرات هو روائي فاشل، كما يقول إدوارد بلشن في مقالته الطويلة «الرواية». ويظل هنالك أمر آخر، وهو ماذا يقول الروائي في روايته؟ وهذا سؤال مهم على بساطته وسهولته، لكن التمعن في السؤال أكثر أهمية، فليس المقصود هنا هو الفكرة والمضمون كما يقال، وإنما عن أي بشر يحدثنا الروائي؟ وما الذي قام به هؤلاء الناس في الرواية؟ فحين يكتشف القارئ أن هؤلاء الأبطال أشخاص عاديون، وأن ما قاموا به هو مجرد ما يقوم به الآخرون في الحياة التي نعيشها، حينها لا تكون هنالك أي ضرورة لوجود هذه الرواية.. وللحديث صلة.

damra1953@yahoo.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر