5 دقائق

ردة فعل الإساءة

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

مهما كانت ردة الفعل عن الإساءة لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، من أعداء الفضيلة وأبناء الرذيلة، فإنها لن تحقق الغرض، ولن تشفي المرض؛ لأن ردة الفعل العنيفة تولد رد فعل آخر لعله يكون أعنف، كما تقول القاعدة الفيزيائية: لكل فعل رد فعل يساويه في القوة ويعاكسه في الاتجاه، وإذا سنظل مشغولين بردود الأفعال، ولن يتحقق شيء، فأعداء الفضيلة سيظلون، كما قضى الله تعالى في شأن خيار خلقه من أنبيائه ورسله، كما قال سبحانه: { وَكذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُل نَبِي عَدُوا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبكَ هَادِيًا وَنَصِيراً} ولذلك نجد القرآن يمنع ما يؤدي إلى تزايد العداء أو مواصلة الاستهزاء كما قال سبحانه: {وَلَا تَسُبوا الذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَسُبوا اللهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ}.

وسديد رد الفعل يكون بما يحقق الغرض، ويخفف عن أولئك الغل والمرض، وذلك بالأساليب النافعة الناجعة وأهمها:

1- اتباع منهج القرآن في دعوة المخالف ومحاورته بالحكمة والموعظة الحسنة، فلذلك أثر في الإقناع وترك النزاع، وكم في ديار أولئك من دعاة مسلمين مصلحين؟! فكان عليهم أن يقوموا بهذا الدور باللغة التي يعرفونها، والوسائل المتاحة لديهم وهي كثيرة، وعلينا مساعدتهم إن احتاجوا إلى شيء من المعارف أو مزيد من الدعاة المخلصين.

2- فتح قنوات فضائية معرفية تنويرية، ومواقع إلكترونية سديدة؛ تخاطب أولئك بلسانهم، وتصل إلى بيوتهم ووسائل اتصالاتهم سهلة ميسرة، يبث فيها شمائل رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيرته، ورحمته، وأخلاقه، ودعوته، ومحاوراته لغيره، وفتوحاته، وإنسانيته؛ ليعلم أولئك الموتورون أنهم يعيشون في غياهب الجهالة، وعليهم أن يقشعوها، ويعيشوا مع حقائق لا أوهام.

3- إيصال الكتب والنشرات المقروءة إليهم ليتثقفوا بها عن هذا الدين وأهله، فيعلموا أنه دين رحمة وتعاون وتعارف، مقارنة بالعدائية الغربية والشرقية في الحملات الصليبية التي أنهكت البشر ودمرت الحضارات.

4- الغض عن أحقادهم الدفينة وأفعالهم المشينة؛ لأنها لا تعبر إلا عن تلك النفوس الشريرة والأقلام المأجورة، ولا تعبر عن عقلائهم، ومن كان بذلك المستوى من الانحطاط فهو يعكس مرآة نفسه فقط، وكما قيل:

وإذا أتتك مذمتي من ناقص فهي الشهادة لي بأني كامل. ولنعلم أن ذلك الفعل المشين لن يضر المصطفى، صلى الله عليه وسلم، فهو الذي شهد له ربه بأنه على خُلق عظيم، وأنه على صراط مستقيم، وأنه رحمة للعالمين، وأنه أعلم خلق الله، وأتقى الخلق لله، وأنه المبلغ عن الله، وأنه المعصوم من الله، وأنه على الحق المبين، وأنه مكفي المستهزئين، وأن شانئيه مبتورون، ولا يضره من قولهم شيء

لا يضر البحر أمسى زاخراً أن رمى فيه غلام بحجر. نعم، نحن نتألم ونستاء وننزعج، وذلك هو مبتغاهم من إساءاتهم المتكررة، ولكن لن يضرونا إلا أذى، وأما دين الله فهو بالغ ما بلغ الليل والنهار بعز عزيز أو ذل ذليل، لايزال أهله ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم، فهو نور الله الذي لا يطفأ، وحجة الله على خلقه التي لا تدحض، وصراطه المستقيم الذي لا عوج فيه ولا أمتى، فمن سلكه نجا، ومن تنكبه خاب وخسر وكان من الهالكين في الدنيا والآخرة، وذلك هو الخسران المبين.

 كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي

لقراءة مقالات سابقة للكاتبة يرجى النقر على اسمها .

تويتر