مزاح.. ورماح

«عربي أنا!»

عبدالله الشويخ

ذبحونا منذ أن بدأنا رضاعة الحليب من «التشسوه» بكل ما له علاقة بأصالتنا وعروبتنا، قبل الدراسة عليك أن تحفظ شجرة العائلة الكريمة كاملة لسبعة عشر ظهراً، سبقوك فلان ابن فلان ابن فلان ابن فلان، وعليك أن تسمعها لأي ضيف يزوركم وأنت ترفع رأسك الصغير مفتخراً، فلان قاطع الطريق، وفلان السفاح، وفلان الذي قتل ثلاثة عشر رجلاً من أبناء عمه.. إذا نسيت ذكر لقب العائلة أو القبيلة عاجلك «المرحوم» بعجل يجعلك تتذكر الأسماء كلها حتى آدم، عليه السلام، أنت عربي يا بني.. دماؤك زرقاء تذكر هذا جيداً!

بدأنا نتقن إمساك القلم، ثم ماذا.. تبدأ القصائد في المدرسة: سجل أنا عربي، وأبنائي ثمانية وتاسعهم سيأتي بعد صيف. بلاد العرب أوطاني.. يبدأ الحشو الممنهج نحن الأمة الأفضل نحن صناع التاريخ.. قبيلتي تبقى دائماً بدمائها الزرقاء.. لا تفكر في فلانة وإياك النظر في عيني فلانة.. ألا تريد أن تفهم أيها الأحمق.. جلجل فديتك إننا عربٌ! إياك والعيون الملونة جدك كان يؤمن بأن العيون الزرقاء والخضراء هي العيون التي تحسد، عيوننا العسلية والسوداء هي عيون أهل الجنة! بالطبع مات جدي بعد ذلك بعد أن دقه ابن عمه بـ«عين» كانت فيها نهايته!

حتى مراهقتنا سرقها منا المطرب غريب الأطوار «عربي أنا»! صحيح أننا لم نشاهد فقدان الروح الرياضية كما شاهدناها في الدورات الرياضية العربية، ولم نقرأ أسود من تاريخنا قبل الإسلام، فصل: وأد البنات، ولم نرعوِ في تاريخنا الحديث سوى نقاط مضيئة في لجة من السواد والخيانات والسخافات الطفولية التي تدفع ثمنها أجيال عدة، إلا أنني مازلت أشعر بالفخر كلما نظرت إلى «عقال» جدي السداسي طراز «فيصل الأول»، لأقف وأسمع أسماء الأسلاف، كي أتذكر دائماً أن عندي دماء زرقاء، وأن أحداً لا يستحق أن «أتبرع له بالدم»، فدمي لا يركب على أي كان، سأترك تلك المهمة للترك.. لرجب طيب أردوغان، ربما!

سأوصي بأن تدفن شجرة العائلة معي في قبري، فكل ما يحيط بي يؤكد أنني سأحتاجها، بعد ذلك سأخرجها لأقول لهم، لكنني ابن فلان فلان أرجوكم أريد معاملة «في.آي.بي»، سأصر على ذلك تماماً.

المساجد هي المنطقة الوحيدة التي لا نحصل فيها على هذا التميز، نقف بخجل مع الآخرين الذين نعرف أنهم حتماً أفضل منا! راقبوا معي من الأسرع تأثراً بالذكر، ومن الذين تسيل دموعهم خشية ورغبة وهم لا يتقنون حتى اللغة التي نرى بها تميزنا عن العالم، هل فهمتم دعاء «اللهم احشرني مع المساكين»؟ هل سنفهم لمَ تعجز قلوبنا عن الخشوع حين نرغب في ذلك؟ ولماذا لا نجد أي خشية فيها رغم أنها اعتادت ألا تضخ سوى «دمائنا الزرقاء»؟!

Twitter:@shwaikh_UAE

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر