مزاح.. ورماح

دعايات رمضانية

أحمد حسن الزعبي

يوجد عداء تاريخي بيني وبين الدعايات التلفزيونية لا لشيء، ولكن لأنها تصرّ دائماً على إظهار البون الشاسع بين الواقع والخيال والسعادة والتعاسة، مضافاً إليها قلة الحيلة والحظ «المهبّب».

فمثلاً عندما تقوم بطلة الدعاية بفتح الثلاجة لتخرج نوعاً من الجبنة المشهور «لدهن» شريحة «توست»، تجد أن الأغراض الموجودة بالبراد كلها «ماركات عالمية»، ومرتبة بطريقة شهية تفوح منها الرائحة الزكية والطعم الشهي، وتبعث على انشراح الصدر، وفي لقطة ثانية تقوم المرأة «الجميلة» ذات الابتسامة الرقيقة بتمرير السكين على مثلث الجبن فينساب بشكل مذهل على شريحة الخبز، فيأكل الولد الوسيم السندويتش وهو مبسوط ومقبل على الحياة. الوضع عندي مختلف تماماً، لا أجد في ثلاجتنا سوى صحن «فاصوليا» يعاني التوحّد، وبقايا «متبّل» محتفظ به من حرب الردّة، و«بنادول» خافض للحرارة، وربع بطّيخة، حتى المدام تفتح الثلاجة وهي في كامل عصبيتها، تخرج ربطة الخبز، تلف «عينة» من المرتديلا في رغيف كامل، ثم «تدحشه» في فم الولد الأوسط الذي لا يكف عن البكاء والعويل، حتى وهو يضع السندويتشة على طرف فمه مثل السيجار.

وقس على ذلك الكثير من الدعايات، شامبو الشعر مثلاً، دائماً يظهر الشعر ناعماً لامعاً مثل الحرير، فأقوم وأشتري النوع نفسه، وبعد أن أغسل شعري اكتشف أن شعري لا يفرق كثيراً عن تسريحة أي «خروف بلدي»!

دعاية السيارات ذات الرفاهية العالية، والمحركات الكبيرة والراحة في القيادة، وسيارتي كلما مشيت بها يجب أن أطفئ المكيف وأفتح النوافذ، وأخرج «الكاسيت» من المسجّل، لأنها ما إن تسخن حرارتها حتى «تعلك» أي شيء بحوزتها حتى «المُلكية وورقة التأمين».

❊❊

هذه الأيام، ما إن أفتح قناة فضائية حتى تندلق أمامي حلّة الشوربة، أو تقف امرأة وقورة تطقطق بملعقة على زجاجة عصير مركّز، أو يسكب أرز أبيض كذرات الثلج في طنجرة «ستيل» راقية، ثم يقدم بطبق شهي إلى الضيوف، جميعهم يشيدون بالطعم من نظراتهم، كإعلان مبكّر عن قدوم رمضان.

حتى هذه الدعاية الواقعية لا تعنيني، فمنذ أول يوم وحتى وقفة العيد تبقى «شوربة» عدس مقرراً إجبارياً، أما المشروب الرمضاني فهو في أحسن الأحوال «تمر هندي» من عند «كشك أبوالريس».

على كل حال.. عساكم من عواده.

ahmedalzoubi@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه.

تويتر