5 دقائق

ضحية من أنا!

سامي الخليفي

كانت وجبة العشاء في تلك الليلة سمكاً، لهذا لم أتأخر عن نداء الفوسفور، استمعت بعدها، وبنشوة، إلى كوكب الشرق وأغنية «القلب يعشق كل جميل»، وكما هي اللحظات السعيدة في حياتي لابد أن يعكر صفوها عليّ أحدهم، فقد سألني الولد بخبث: وين بنسافر هالسنه؟! ساد حينها هدوء أعمق من سكون المقابر، فقلت بعد تفكير عميق: «شرايكم نقضيها سياحة داخلية»، نظر إليّ الجميع نظرة الكفار لمن صبأ، أخذت المدام تبكي وتندب حظها وأصرت على تذكيري بانتهاء عصر الرجال الذين يمكنهم توفير كل شيء لزوجاتهم.

بدأ الأولاد يتهامسون ويتغامزون خلسة، فنهض كبيرهم - الذي بلا عمل وليس له أمل بعمل - وقال بلغة فصيحة ذات جرس موسيقي ليقنع السامع: «ولماذا تحرمنا من السفر يا أبتي؟! إن في السفر سبع فوائد (في السمك ثلاث)، لذا أرجوك لا تحرمنا من زيارة إسبانيا التي فيها أجمل بنات الأرض قاطبة وحلم الأجيال المتعاقبة، بلد الفاتنة بينيلوبي كروز التي لأجلها سأتعلم الإسبانية ابتغاء مرضاة عينيها الإسبانيتين»! هنا وجدتني أخرج عن شعوري فقلت، بعد أن قذفته بدليل الهاتف: «ثكلتك أمك، ومن أين لي بالمال أيها المخلوق الاستهلاكي الرائع» فأجاب ببراءة: روح البنك!

ماذا أفعل لعائلة تريد العيش بأسهل الطرق! فبعد نشاط دمعي حاد وتوسلات ومعلومة خطيرة تفيد بأن جارتنا التي ليست من مستوانا ستقضي إجازتها في سويسرا، وافقت على مضض، متمنياً ألا تحتل قضيتنا صدارة اهتمام الرأي العام للقبيلة، وبصراحة جاءت موافقتي مشروطة بالعودة قبل شهر رمضان، لكي أشهد انتصار التجار في معركة رفع الأسعار، فشهق الأولاد وكبروا وهللوا وصاحوا وصفقوا، وفوراً طلبت من الخادمة، وهي بالمناسبة من النوع اللعوب المستعد للهرب اذا اتيحت لها الفرصة مع بائع الجرائد، طلبت منها البحث عن طقم البدلة الذي ألبسه مرة واحدة في السنة، ثم تقوم هي بغسله طوال السنة، ولأن كلام الزوجة (مش لازم ينزل الأرض) جاء القرار بأخذ الخادمة معنا، لكي نحصنها عن سكة الغواية.

في الصباح ذهبت إلى البنك للحصول على قرض يسدد بطريقة (سوق على مهلك سوق)، ثم قمت بمراجعة سفارة أوروبية لاستخراج فيزا «الشنغن» وطبعاً موضوع «المعاملة بالمثل» (حلم وراح، انساه وارتاح)، عدت بعدها إلى المنزل(مهدود الحيل)، فقامت ابنتي التي أطالت أظفارها حتى انحنت كأنها مخالب، وأصلحت أوتار الجيتار وغمزته بأناملها وأنشدت «لا تلوح للمسافر، المسافر راح»، على فكرة، وقبل لا أنسى، قد يسأل أحدكم: وما بال السياحة الداخلية يا ذكر الأوز؟ سأجيبه بثقة مفرطة بأنها (بتطلع علينا أغلى من سعر السوق يا ذكر البط) .

تابعونا!!

samy_alain@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر