5 دقائق

الأسهم الوقفية

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

عقدت دائرة الأوقاف وشؤون القصر الأسبوع الأول لمؤتمرها الثالث عن الأسهم الوقفية، وكان مؤتمراً موفقاً في موضوعه وأطروحاته، فإن الوقف الإسلامي جدير بالاهتمام من المؤسسات أولاً، ومن الأفراد ثانياً؛ لأنه من سنن الإسلام العظيمة ذات الأثر المتعدي والنفع العام، فهو يحيي النفوس بالإنفاق والرعاية، ويسد حاجة المجتمع ويحميه من المجاعة، ويسهم في التعليم، ويساعد على الاستشفاء، ويحمل ابن السبيل، ويفعل ما لا يفعله أفراد محسنون، لذلك كان أجره عظيماً، يسري للمرء بعد انقطاعه عن الدنيا، كأنه يعيش فيها، وهو الوقت الذي يكون أحوج ما يكون لحسنة واحدة قد يشح عنه بها ابنه وأخوه وفصيلته التي تؤويه، وزوجته التي كانت ترضيه. وقد مر على الناس زمان كانوا أسرع بِداراً لوقف نفيس المال قبل حقيره، مسارعة منهم في الخيرات، واستباقاً للدرجات العاليات، بينما كانت حاجات الناس محدودة، وأفرادهم معدودين، أما اليوم فقد أصبح الناس أزهد ما يكونون عن الوقف؛ لأنهم يحبون العاجلة، ويذرون الآخرة، فكان لابد من تيسير سبيل الوقف لهم لينفعهم قبل أن ينفع غيرهم، ولا سبيل لذلك إلا بمشاركة الكُل ليوقفوا الجُل، وذلك بطريقة المساهمة العامة بما تجود به أنفسهم، فيُنشِئوا العمائر الكبيرة أو المصانع أو المزارع لتدر الدخل الوفير، فيكون كل منهم وقفها، وسرى له أجر وقفه، بما جاد من قليل ماله أو كثيره، فإن الله تعالى يؤجر كل مساهم أجراً كاملاً؛ لأنه أجود الأجودين وأكرم الأكرمين، وإن تفاوت الفضل بقدر العطاء، كما كان من سيدنا عثمان، رضي الله عنه، الذي جهز جيش العسرة، فنال صك براءة ممن لا ينطق عن الهوى، صلى الله عليه وسلم، إذ قال في حقه: «ما ضر عثمان ما عمل بعد هذا اليوم»، مع أن الكل كان قد بذل ما في وسعه، لكن الأجر على قدر العطاء، وكلا وعد الله الحسنى.

وقد كان الوقف النقدي محل بحث عميق بين الفقهاء جوازاً ومنعاً، لكون الانتفاع منه مع بقاء عينه غير متصور آنذاك، وهو شرط صحة الوقف، إلا أن هذا الاختلاف لم يعد مبرراً، بعد تبين الاستفادة من النقد بجمعه وتكوين عين موقفة ذات نفع دائم وأثر لا ينقطع، فيكون وقفاً مشتركاً من جميع المساهمين، كما لو كانت عين مشتركة بين شركاء، فاجتمعت إرادتهم على وقفها وقفاً ذرياً أو خيرياً، فإنه جائز بلا خلاف، فكذلك المساهمون الخيرون، وهذا ما أضحى محل وفاق بين الفقهاء اليوم، فكان سبباً للنهوض بالوقف وإعادة إحيائه نفعاً، وسنة، وأجراً عظيماً. فعلى المؤسسات المعنية التي هي الناظر الأعلى على الأوقاف أن تُبدِع في إصدار الأسهم الوقفية، تبعاً لحاجات المجتمع، وتُيَسر الوصول إليها، وتحسن عرضها وشرحها، واستثمارها وإدارتها، وسترى كيف يقبل الناس عليها، فإن حب التنافس في الأمة على الخير شديد، فكم نرى اليوم من ذوي الحاجة من مرضى، وطالبي العلم، وفقراء، وأبناء سبيل ويتامى، وأرامل.. لا يجدون سداد هذه الحاجات التي لا تنقضي، فلو وجدت الأوقاف الكافية لعاش الجميع في واحة من الخير، وما مسهم الضير، وهذا الباب قد فتح على مصراعيه تأصيلاً وتفريعاً، فلابد من السعي لاستكمال حلقاتِ بحث قضايا الوقف حتى يؤتي مثل هذه الثمار اليانعة.

كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر