مزاح.. ورماح

معاك «ليسن»؟ (1)

أحمد حسن الزعبي

عندما حضرت للعمل في دبي عام 1999 حرصت بتفاؤل مفرط على أن أحضر جميع الشهادات الأكاديمية وشهادات الخبرة والفحص الطبي ودورات الكمبيوتر ومهارات الاتصال وشهادات حسن السلوك، كما حرصت على أن أحضر ربطات عنق مختلفة الألوان والزخرفات، ظاناً أن كل ما تقدم كفيل بأن يؤهلني للحصول على وظيفة محترمة أبدأ بها مشوار حياتي، لكنّي فوجئت بأن جميع ما ذُكر لن يرجح كفة الكفاءة إذا لم أكن حاصلاً على «ليسن» سواقة!

لم أدخل مكتباً أو أتقدم إلى شركة إلا وسألني مسؤولها: معاك «ليسن»؟ فيكون الجواب، بعد «نحنحة» طويلة واستخدام بعض المقدمات التعبيرية، مثل «في الحقيقة».. «بصراحة».. «يعني الصحيح»، ثم أقوم وأستخرج منديلاً معطراً من جيبي لأجفف عرقي، وأقول له بصوت خافت: بصراحة.. أنا أقدّر الإخلاص للوظيفة والعمل بروح الفريق، ثم أقرأ له بيت الشعر الشهير: إنما الأمم الأخلاق.. فيقاطعني ويسألني من جديد بنبرة أعلى: معاك ليسن؟ ثم أكرر الـ«نحنحة» الطويلة، وأعود لاستخدام بعض المقدمات السابقة «في الحقيقة».. «بصراحة».. «يعني الصحيح».. ثم أقوم وأستخرج منديلاً آخر وأمسح المنطقة التي خلف أذني.. وأقول له بصوت خافت: بصراحة.. لأ، ثم أرفعه بصورة لافتة وبهمة عالية: بس قريباً رح أقدم لـ«الليسن»! فيقوم هو الآخر برفع صوته بصورة لافتة وبهمة عالية قائلاً: «ورجيني عرض اكتافك».. ولكثرة ما «عرضت» أكتافي لمديري ومسؤولي التوظيف صار مقاس «كتفي» معروفاً لمعظم الشركات في دبي والإمارات الشمالية، أو بالأحرى صار عرض أكتافي «ستاندرد» أو«فري سايز»..

في البداية كنت أستغرب هذا الإلحاح الشديد والتركيز المريب لأصحاب الشركات على أن يكون الموظف حاملاً رخصة قيادة، إلى أن بدأت التنقل بالمواصلات العامة، وركوب خطوط الحافلات من ديرة إلى بر دبي، ومن القصيص إلى شارع الشيخ زايد، عندها عذرتهم، لأنني كنت أضطر إلى حلاقة «ذقني» مرتين في الباص إذا كان مشواري من الراشدية باتجاه سوق الذهب، لشدة الازدحام، وأحياناً كنت أقوم بحفظ الجريدة غيباً من الصفحة الأولى إلى الصفحة الأخيرة، لتمضية الوقت الطويل، وأطلب من شقيق عربي جلس قربي بالمصادفة أن «يسمّعها» لي، وأن يردني إن أخطأت في تسميع خبر أو أغفلت تفصيلاً ما..

ولأكون منصفاً أكثر، ليس الازدحام و«الشحشطة» هما من أقنعاني بضرورة حصولي على «ليسن» في أقرب وقت ممكن، وبالتالي تبني وجهة نظر أرباب العمل، وإنما النمو الغريب لقدميّ؛ ففي الأسبوع الأول من وصولي دبي كانت نمرة حذائي «43»، وبعد أسبوع بالضبط تمددت قدماي بفعل الحرارة والرطوبة والمشي في شوارع «سوق نايف» ليصبح مقاسهما «44»، والأسبوع الثالث «45»، وما إن وضعت الإقامة على جواز سفري حتى كان مقاس قدميّ «49»، مع بعض الضيق، وقبل أن تستطيل قدماي أمامي نصف متر، مثل أقدام «الغوّاصين»، رميت كل شهادتي وراء ظهري وأعلنت الحرب على «الليسن»..

نكمل في المقال المقبل..

ahmedalzoubi@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر