5 دقائق

نهر من ضي..

ميره القاسم

تعلمنا كثيراً من الحكايا الشعبية والقصص أيام طفولتنا، لكن أن يكون هناك ما يعلمنا عند نضوجنا وبلوغنا مرحلة متقدمة من العمر، هو ما يثير الانتباه.تذكرت حلقة من مسلسل فريج الكرتوني، بُثت في فترة سابقة، وحقيقة لا أتذكر في أي جزء، الثاني أو غيره، لكنها تركت أثراً كبيراً في نفسي، والحلقة كانت أن اشتكت فيها «أم خماس» هجر ابنها وسفره ونسيانه برها ووصلها، لتأتي «أم أم خماس» أمام باب ابنتها تطرق حاملة بيديها هدية، تعود بعدها خائبة مكسورة الجناح من ابنتها «أم خماس»، الأمر الذي يفسر لنا بعد وصولنا إلى حياة الأبوة والأمومة، أن تلك السنوات التي قضيناها مع ذوينا ما هي إلا نسخة طبق الأصل مما سنعيشه مع أبنائنا، لنتذكر كم قسونا على أنفسنا قبل أن ندرك هذه الحقيقة.

وضمن هذه الحقيقة لم تحلم أمهاتنا البسيطات في يوم من الأيام بأن يُخصص لهن يوم نحتفي فيه بهن، ويكون يوم حب أودفئ قد يتلاشى فيه زعل ما أو جدل طال وقته، ليبقى فقط يوم الأمنيات والالتفاف على حضن أمهاتنا، فـ «يوم الأم» الذي أصبح عادة مكتسبة لا تندرج في لائحة الأعياد الرسمية (الدينية) لدينا، وإنما هو يوم صادق لتوجيه الأنظار إلى هذه المعطاء الرؤوم، التي ما تلبث أن تمنح حياتها لأبنائها وأبنائهم، لتتلاشى بعدها هي، تبني من أضلاعها حكايات طفولتهم، وتحملهم في أحداقها، تتابعهم حتى عند انتقالهم إلى أشكال جديدة في الحياة، من الأجنة إلى الطفولة إلى الحضانة والروضة.. المدرسة.. الجامعة، وحتى بعد انتقالهم إلى حياة يشاركون فيها زوجة وأماً أخرى، تبقى هي الأوفى، والأصدق والأدفأ.

أو لا تستحق يوماً واحداً كي نحمل لها هدية دافئة كقلبها، ونشعرها بأننا لانزال حولها، ولو كنا نسكن معها؟ فالحياة كفيلة بإغراقنا في غياهب النسيان، لم تبعد عن دفتر ذاكرتنا يومها الذي اتفق العالم الحديث أجمع على أن يكون لها، وفي هذا اليوم تبقى حالة البوح أيضاً ساهرة من أجلها، ليكتب المؤلفون قصائدهم ونثرهم وأقصوصاتهم، أن الوفاء للأم على قيد العطاء، وأننا نحمل لها الكثير من الحكايا والطهر.

* أمهاتنا نهر من ضَيْ.. زعفران يتمسّد على وجعنا.. أبخرة تتصاعد محبة وابتهال.. أوسمة تعلّق على شفا أغنية.. غاف وظل.. دهشة البدء وآخره..

أداري كم أداري عن عيونج كل تعب يكبر وكل ونّه أسامر في مسيري خطوةٍ وجلى

وإذا لاح الشمال موّرد بطيفج

أشوفه في عيوني

نسمة أحلى

أحبج؟!

كم أحبج.. وسع البحر؟!

لا لا البحر يجزر وأنا حبّي معج في مَدْ

يا أمي يا نهر من ضي

 

wahag2002@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتبة يرجى النقر على اسمها .

تويتر