يا جماعة الخير

حكمة الدعاة إلى الله

مصطفى عبدالعال

حين ينطق الداعية بكلمة أو يكتبها، فالمفروض أن هذا دين الله، ومنهج رسول الرحمة الذي احترمه مخالفوه على مَر دعوته صلى الله عليه وسلم، فما كان سباباً ولا شتاماً ولا هجاماً، ولو كان صاحب حق، حتى لما قذفه في عرضه منافق - معلوم للجميع - واتهم أم المؤمنين ابنة رفيقه الصديق، فإن أقصى ما فعله صلى الله عليه وسلم، أن قال: «ما بال أقوام يفعلون كذا»، تناول الخطأ لا المخطئين، وذكر الذنب لا المذنبين، ورغم أن القضية تخصه وهو رئيس الدولة، ما أهان ولا جرح ولا حتى حكم في الأمر حتى نزل حكم الله!

لأنه يا معاشر الدعاة حريص على كل الأطراف ولو تعنتوا، وهو برسالته رحمة للعالمين، قضيته التقريب لا التفريق، واهتمامه الأخذ بيد كل تائه ورد أي شارد ووصل جميع الأرحام، ويحمل هم الجميع، حتى إن الله يهون عليه مراراً: {طه مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى} (طه 2)، {فَلَعَلكَ بَاخِعٌ نفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِن لمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً} (الكهف 6)، {فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ} (فاطر 8)، {إِنكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} (القصص 56)، ثمأ طمأنه ومنحه عطيتين أولاهما {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبكَ فَتَرْضَى} (الضحى 5)، والثانية الشفاعة العظمى.

فهل ورد عنه يا دعاة الهدى أنه تدخل في سياسة دولة، أو أثار مسلماً على مسلم، أو قال كلمة يستحق عليها الإنكار واللوم، وتجلب عليه وعلى قومه السخط والغضب؟ ألم يأمره ربه بالإنصاف حتى مع أعدائه، لما قال: {وَلاَ تَكُن للْخَآئِنِينَ خَصِيماً} (النساء 105)؟

أجمع التاريخ على أن أهم مواصفات الداعية الحق أن ينأى بنفسه عن أي تدخل في سياسة غيره، أشخاصاً أو جماعات وأن يتحسس مواضع ألفاظه، وأن يكون مرجعاً لكل الخصوم لا أن يكون أحد الخصوم، وإن أهم أولويات رسالته أن يستوضح ما أُشكل عليه لا أن يعوم مع العائمين، وأن يعتبر مخالفه المنصف مرآة له، كما كان أمير المؤمنين عمر يعين مستشارين توجيههم منه: «رحم الله امرأً أهدى إليّ عيوبي».

قال تلميذ لشيخه: أرى مدارس التربية والسلوك إلى الله كثيرة، وكلٌ يزعم أنه الطريق الأوحد، وأن غيره من الضالين، وكلٌ يجزم بأن شيخه هو الوكيل الحصري عن الله في الكون، ومفاتيح الجنة في خزانته الخاصة، وليست لها نسخ أخرى.

قال الشيخ: الداعية الحق يا بني هو الذي يفهم تطبيق {وَإِنكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} (القلم 4)، وهو من يَألَف ويُؤلَف، وهو الذي يحترم اجتهاد غيره فيما أجاز الشرع فيه الخلاف، وأن غيره من العلماء إذا اجتهد فأخطأ له أجر، وهو الذي يقول: أريد أن يحكمني الإسلام، ولا يقول أريد أن أَحكم أنا بالإسلام، وهو الذي أينما حل تحل معه السكينة والمحبة وجمع الشمل، وليس للجدل ولا المراء ولا التنافر في مجالسه مكان، وهو من يطبق الشرع في سلوكه قبل أن يطالب به غيره، وهوأ وهو....

قال التلميذ: فما بال كثير ممن ليسوا كذلك؟ قال الشيخ: لو صدقوا لحسنوا الظن بغيرهم، وجمعوا الناس كشريعة صلاة الاستسقاء، حتى يسأل كل منا ربه بلسان الدعاة جميعاً، فيقول:

عباراتنا شتى ووجهك واحد وكلٌ إلى هذا الجلال يشير.

 

المستشار التربوي لبرنامج «وطني»

mustafa@watani.ae

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر