من المجالس

عادل محمد الراشد

تكبر مؤسسات التعليم ويزداد عدد المتعلمين والخريجين، وتبذل الحكومات الجهود لترسيخ اللحمة الوطنية، وتكريس الاندماج المجتمعي، ومع ذلك تبقى نعرات الجاهلية الأولى مختبئة في قيعان النفوس، تنتظر «نكشة» من جاهل أو نبشاً من حدث عارض، لتسل سيوف العنصرية، وترمي سهام الاستعلاء، وتنثر سموم التفريق، وتضرب بخناجر التمزيق، فيصبح كل ما قيل عن التلاحم كأنه قصيدة مكسورة الأوزان ومتنافرة القافية.. جعجعة بلا طحين.

ويزداد الجرح إيلاماً عندما ينفجر هذا القيح باسم الذود عن الدين، كما حدث في قضية السعودي حمزة كاشغري الذي تطاول على الإسلام ونبيه الكريم، ثم عاد وتراجع وتاب قبل أن تصله يد العدالة. ليس الموضوع هنا كاشغري وردته ثم عودته والجدل الدائر حول ذلك، لكن ما دار ويدور في فضاء الإعلام ومواقع التواصل وميادين الشعر ومجالس الناس ومواخير الجهال، من ركل للموضوع بعيداً عن الجرم نفسه كفعل والمجرم كفاعل إلى أصل وفصل وحسب ونسب كل ما ومن تربطه بخريطة جينات الفاعل، والتحليق بالأسباب إلى الدائرة الأوسع من بلاد الإسلام التي أنجبت أجداد حمزة كاشغري وكل فصيلته التي تؤويه وتلك التي تبرأت منه ومن قوله وفعله.

هبّة من أجل الدين تجاوزت تعاليم الدين التي تقول «إن أكرمكم عند الله أتقاكم»، وفزعة لنصرة رسول الإسلام عليه أفضل الصلاة والسلام، تجاهلت قوله: «لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى»، فأخذت كل فصائل كشغر وما حولها وقبلها بجريرة فرد استنكر القريبون منه فعلته قبل البعيدين.

تلك لم تكن الأولى، فكان قبلها، ولا يبدو أنها ستكون الأخيرة مادامت أصوات المرجفين هي الأعلى.

adel.m.alrashed@gmail.com 

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر