5 دقائق

«ملل»!

عبدالله الشويخ

على الرغم من أن عام 2011 قدم لنا الكثير من «الأكشن»، منذ بدايته والحق يقال، إلا أنني لا أعرف سبباً للملل القاتل الذي أصبحت أحس به في كل مشاهد حياتي.. يبدأ الملل مع دقات منبه الصباح، التي أصبحت معلبة وجاهزة ولا تصدر فعلياً من المنبه، بل من جهاز «الآي فون» بمصطلحات التنبيه الغريبة فيه، على غرار «غفوة، مؤقت، تحرير!» أين أيام ذلك المنبه الذي كان يستحق لقب «سنطور» عن جدارة، قالب من الصلب و«فص» أمامي للإيقاف وزنبرك حقيقي في داخله، إذا أخطأت الضغط على زره عندما تصحو، فسيسقط ليوقظك ويوقظ أسلافك الطاهرين، ولهذا لم نكن نسمع في أيامنا الجميلة عن «التسرب الوظيفي»، يستمر الملل مع اختراع البصمة الشهير «الله يسامحك يالعريفي» أين أيام الدفتر الجميل والتواقيع المضحكة؟ تلك السعادة التي كانت تغمرنا، ونحن نشاهد تواقيع الزملاء صباحاً ونتغامز عندما نرى أن أحد الموظفين الذين يدعون «الحماشة»، قد قام بالتوقيع باللون «الوردي».. منذ متى لم نسمع نداء الضمير عندما يتصل بك صديق لدود ليقول عبارته الأثيرة: «دخيلك وقع عني!».

الملل المحيط بكل شيء تكرسه زحمة الطرقات التي أصبحت غريبة عنك، لم نكن نقوم بمشوار من دون الالتقاء بـ10 من المعارف على الأقل، تريد أن تصل إلى «بر دبي»؟ كل ما عليك عمله هو «تعشيق الجير» وارتقاء جسر المكتوم، أما الآن فقم بالتالي: تأكد من وجود رصيد في «سالك»، قم بشراء رصيد، ابحث عن المكان الذي وضعت فيه الرقم السري ورقم المستخدم «غالباً لن تعثر عليه»، تبدأ بإدخال الأرقام وتبتسم بقوة، وأنت تتأكد من وصول الرصيد قبل أمتار عدة من ولوج البوابة، لكن قبل أن تكمل ابتسامتك يسرقها ذلك الشرطي الواقف على الناصية، وهو يشير إليك، وبالتالي تكون «البيعة خسرانة»، وتقرر للمرة الألف المشاركة في حملة «أتعهد».

حتى أرقام السيارات أشكالها أصبحت غريبة ومملة، أين تلك الألوان الزاهية للوحات الصفراء والبرتقالية.

الميادين بدورها قصة أخرى هنا قاموا بهدم مدرستك، لكي ينشئوا مكانها «ستيشن للسيارات»، وهنا سيطروا على البراحة التي شهدت إبداعاتك الكروية لينشئوا مكانها «مولاً للتسوق»، حتى المقابر التي يرقد فيها «الأسلاف الطاهرون» المذكورون أعلاه بدأت تؤكل من أطرافها، ألم يسمع القوم بشيء يسمى «ذاكرة المكان»؟ أي ذاكرة ستبقى لأبنائنا، ونحن نحدثهم عن أماكن ومشاهد غير موجودة أصلاً! هل سيتمكن مخرج إماراتي في المستقبل من عمل مشهد شبيه بالمشهد الأول في فيلم «عمارة يعقوبيان»، بتسليط الضوء على معلم قديم، ثم إضاءة وضعه الحالي من دون أن يتغير؟!

تلفاز «البلازما» بدوره محشو بأكثر من 1000 قناة، لكن إحداها لم تعد قادرة على جذب اهتمامك، كما كان يفعل «شفيق أريل» بقنواته الخمس: دبي، أبوظبي، الشارقة، وشانيل 33 والبحرين، في حال كان الجو صحواً.

أزرار هنا وهناك واختراعات نلهث كي نفهم كيفية استخدامها، ودوامة من المعاملات المعقدة والبطاقات التي يجب علينا استخراجها يومياً بحجة توفير الوقت، فهل فعلاً سرقنا الوقت، أم سرقتنا الحياة بحجته؟!

Twitter:@shwaikh_UAE

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر