أبواب

زياد العناني يخرج من غيبوبته

علي العامري

الشاعر زياد العناني صديق الأصدقاء وطيب الطيبين ورفيق الرفاق، الشاعر الذي يتمدد الآن على سرير في غرفة العناية المركزة في المركز العربي الطبي في العاصمة الأردنية عمان. زياد العناني صاحب الضحكة المجلجلة، وصاحب الحزن الشفيف، وصاحب المواقف النبيلة، وصاحب القصيدة. إنه الآن على سرير أبيض تتدلى في يده أنابيب، ويزوره الطبيب يومياً. شاعر في غرفة العناية المركزة، بعدما أصابته جلطة دماغية أثناء الكتابة فجراً، منذ تسعة أيام. عاش زياد غيبوبة طويلة، لكنه كما يعرفه أصدقاؤه قوي الإرادة، ضعيف أمام الحب، استفاق وخرج من تلك الغيبوبة ليرى عائلته الأولى حوله صباحاً ومساء، وليرى عائلة الإبداع جنبه ايضاً.

زرت زياد قبل أسبوع مع شقيقيّ محمد وجهاد، وكان ابنه طارق وأحد إخوته يستقبلان اصدقاء زياد، من شعراء وفنانين ونقاد وسينمائيين وروائيين وكتاب قصة وصحافيين ومسرحيين، من عائلة الإبداع التي ينتمي إليها زياد، ويدافع عنها بكل ما يملك من قوة.

على السرير كان الشاعر ممداً، لكنه حين يرى أحداً من أصدقائه يهم بالحركة كما لو أنه يريد الوقوف، ويشد قبضة يده، ليقول من غير كلام إنه أقوى من الجلطات، وإنه ممدد مؤقتاً على السرير. زياد يبتسم، زياد يحرك يده اليسرى، زياد يريد أن يعانق أصدقاءه. وعلى الرغم من أن حالته حجبت النطق مؤقتاً، إلا أن نظراته كانت ناطقة، وابتسامته كانت ذات دلالة، ويده ايضاً كانت تقول إنه سينهض مجدداً، ويمشي في شوارع عمان ومقاهيها، وسيكتب قصائد الخروج من الغيبوبة، وسيسخر، كعادته، من شراشف المستشفى البيضاء، ومن الأنابيب التي تتدلى إلى يده، سيسخر زياد من العتمة مجدداً، وسيسخر من الغياب ايضاً.

زياد العناني الصديق المحب والمحبوب، الذي لا يجامل، لكنه لا يجرح، كان آخر ما كتبه في صفحته على «فيس بوك»، قبل ساعات من سقوطه في الغيبوبة، قصيدة مؤثرة، كما لو أنها إشارة أخيرة قبل غيبوبته. يقول زياد في تلك القصيدة:

«نفخت من فمي

ولم أنجح.

سأسرق

... بوقك الكوني أيها النائم

وأنفخ قيامة لا تخص الناس

بل تخصها.

ها.. سأنفخ

يا تراب

فحرر لي الآن صورتها

ولا ترهق الطير بسر صعودها

وقل لها: وفيت

ولم أترك للذبول زهورها.

البيت ما زال هو البيت

والدرب ما زال هو الدرب

ربما لم أره وهو يتغير بعد نومك

ولكن.. لا عليك

ان ضاعت منك أو ضاع عنك

سيدلك الحزن

وتقودك يد البكاء إلى جنتي.»

alialameri@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر