أبواب

مفهوم الوطن

زياد العناني

لا يمكن بأي حال من الأحوال أن نجد تعريفاً جامعاً ومتماسكاً لمفهوم الوطن، حتى إن تحدثنا عن الارتباط التاريخي بالأرض ومسقط الرأس أو البيت كما هو في اللغة الإنجليزية، أو جهة الانتماء عند الكثير من الشعوب المتمدنة، والشعوب البدائية، على حد سواء.

وتأتي صعوبة التعريف من كونه وجدانياً، بمعنى أن المسألة عاطفية أكثر منها عقلانية، ولها خصائص قائمة على الحب بكل تفريعاته القائمة على الانتماء والاحترام والفخر الاجتماعي والسياسي، وأحياناً تمتد هذه التفريعات لتكون على شكل حماسة في الأغاني الوطنية، أو قصائد في حرب الحرية ضد أعدائها كما يقول روبسبير.

غير أن الغائب هنا ـ وربما هناك ــ هو هل يستوي مفهوم الوطن عند شعب خبر المنافع الوطنية كاملة، وعاش بلا منغصات ولا أثقال، وآخر مثله بحسب التكوين والعنصر، عاش، ولايزال يعيش، في تنازع بينه وبين من يحكمه، ويسير عرباته الى الهاوية بلا حاجات أساسية، وأحياناً بلا طعام أو سكن ملائم، وفي الكثير من الحالات بلا أدوية وبلا ملابس أو مياه نقية ووسائل تعليم، إضافة إلى انعدام حقه في الحماية من البطالة وتأمين شيخوخته بالبرامج السياسية والاجتماعية، خصوصاً خلال فترة التقاعد بعد أن تبدأ كل الأشياء مسيرتها في طريق الممانعة!

هل يمكن أن يتعمق الإحساس بوطن ما لمجرد أن فيهأ سلطة سياسية بئيسة؟ وهل يتجذر إذ رفرف فيه علم ملون وراحت أيامه تطفح بالأعياد الوطنية؟ وهل يكفي أن يجمع الوطن في تلافيفه مجموعة من مطأطئي الرؤوس ليكتمل النشيد الوطني، ويدخل خالداً مخلداً في الحناجر المعذبة؟

بالقطع لا يمكن أن يتجلى مفهوم الوطن بين من يعيشون تحت خط الفقر، أو عند من لا يجدون قوت يومهم، كما يتجلى عند المحاطين بالتضامن الاجتماعي والحكومي في دول مثل دول الغرب تتحملأ مسؤولية الأمان، ومسؤولية مستوى المعيشة، ونظام الرفاهية القائم على المساواة في توزيع الموارد.

ثمة جيل عربي غير متفائل بما وصلنا إليه من أوضاع سياسية واقتصادية، ويريد تأكيد القطيعة مع الانحطاط، ويريد وطناً تحترم فيهأ إرادته، ويتوق إلى تفعيل خياراته، وعدم حشر عمره القصير في خانة التضحية بلا حماية أو عدالة أو مساواة، والأنكى أنه صار يعتقد أن مشكلاتنا يجب ألا تتجمهر في العمل على تثبيت قواعد السلطة، بقدر ما يجب أن تتجمهر لدعم حق الإنسان فى حياة كريمة خالية من التهميش.

وبين الحلم والواقع تكمن ضآلة المتوقع من وطن يتمظهر في المغارم، ويحس المرء بأن الحيز كله ليس صالحاً للعيش، وأنه لا يمكن أن يدافع عنه بقناعة كاملة لأن الخير الذي فيه ليس له، ويخص بعض الشخصيات أو الجهات المعينة، ولأن مصادر التشريع الكلي تعمل على دحضه من العقد الاجتماعي، وتثبت اسمه فيأ مفهوم البيعة فقط، وبناء عليه سيكون من الطبيعي جداً أن يتوقفأ المرء عند التعريف القائل إن مصلحة المجتمع ككل تتحقق حتماً من خلال عمل كل فرد فيه على تحقيق مصلحته الخاصة، بحزن لافت، ودمعة يرى من خلالها أن الدولة لم تتمدد في حدود وظيفتها، وأن الوطن مجرد تسمية لمرارة كبرى لا تجد من يعبر عنها، أو ينطق باسمها.

zeyad_alanani@yahoo.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر