رؤية

مصر.. وموعد مع الإصلاح الاقتصادي

نجيب الشامسي

إن مصر العروبة التي غابت عن المشهد السياسي والاقتصادي لأكثر من عقدين من الزمن، بعد أن كانت تمثل الصدارة في القيادة العربية، إذ ظلت حبيسة سياسات لا تخدم أهداف الشعب المصري، والأمة العربية، بقدر ما كانت تخدم أهداف مصالح ذاتية تفاقمت بسببها معاناة الشعب المصري، وبالتالي الأمة العربية، أدت معها إلى احتقان سياسي واقتصادي واجتماعي، كان لابد أن ينفجر بثورة أعادت التوازن إلى الإنسان العربي عموماً، والمصري خصوصاً.

اليوم، وفي ظل الرغبة الجامحة لدى شعب مصر، وتشاطره فيها مختلف الشعوب العربية، فإن الإصلاح المنشود في مصر العروبة، والذي نتمناه، ليس إصلاحاً سياسياً فحسب، وإنما تحقيق حزمة من الإصلاحات الاقتصادية، تتمثل في إعادة صياغة القوانين والتشريعات ذات العلاقة بالنشاط الاقتصادي، والتجاري، والاستثماري، لتأسيس بيئة استثمارية لرؤوس الأموال العربية والأجنبية، ولرؤوس الأموال المصرية كذلك التي هاجرت إلى أسواق واقتصادات عربية وأجنبية، بسبب البيئة المتسمة بالفساد الإداري والمالي قبل الثورة، والتي حرمت مصر وشعبها من فوائدها، فمصر العروبة تكفيها عودة رؤوس الأموال المصرية، والعقول المصرية التي غادرت مصر بسبب ما عانته من صور تهميش، وتخويف في كثير من الأحيان.

مصر العروبة ليست فقيرة مادياً أو بشرياً، أو عديمة العقول، بل إنها كانت ولاتزال ولاّدة للمبدعين، والمبتكرين، والعقول الناهضة، والمتميزة، ولكن تلك الطاقات المبدعة لم تجد ضالتها، أو البيئة المناسبة لتفجير إبداعاتها واستثمار قدراتها العلمية، لذلك نجد أن كثيراً من العلماء والمهندسين والأطباء والنابغين المصريين موجودون خارج حدود الوطن، وهم ينتظرون لحظة العودة إلى مصر، للإسهام في النهوض بالوطن، والتنمية، وترجمة مشروعها النهضوي.

من ناحية أخرى، فإن هناك مليارات الدولارات تمثل استثمارات مصرية خارج محيط الاقتصاد المصري، تنتظر العودة إلى محيطها الوطني، كي تسهم بدورها في تحقيق التنمية الاقتصادية، ثم التنمية الشاملة في إطار برامج إصلاحية فعلية تنتهي إلى وجود بيئة استثمارية تتسم بالشفافية، وخالية من كل صور الفساد والبيروقراطية التي اتسمت بها بيئة الاستثمار قبل الثورة، وعطلت كثيراً من مشروعات التنمية فيها، والتي يمكن لتلك الاستثمارات، ثم الاستثمارات العربية أن تسهم فيها. من هنا، فإن التفكير في تحقيق إصلاح سياسي وإصلاح اجتماعي، مرهون بتحقيق إصلاح اقتصادي، باعتباره حلقة وصل بين الإصلاحين السياسي والاجتماعي، ثم إن أي استقرار سياسي أو اجتماعي، لا يمكن حدوثه إلا في ظل وجود استقرار اقتصادي تسهم فيه الحكومة، من خلال حزمة من الإصلاحات، والعديد من القوانين والتشريعات، وجملة من القرارات والإجراءات التي من شأنها تحصين الاقتصاد الوطني، وتسهم في وجود بيئة خصبة لرؤوس الأموال والاستثمارات الوطنية والعربية والأجنبية، وتضمن عودة فاعلة للعقول المصرية المهاجرة، لتسهم بدورها في الانتقال بالاقتصاد والمجتمع من حالة التردي التي كانت سبباً في ثورة 25 يناير. وفي ظل عدم تحقيق هذا، فإن الثورة ستكون منتقصة، والأهداف التي قامت من أجلها ضرب من الخيال، ليزداد الوضع سوءاً وسواداً!

alshamsi.n@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر