في الحدث

«عراقيب» السلام

جعفر محمد أحمد

الوعد الفلسطيني الذي قطعه الرئيس محمود عباس، خلال زيارته الأخيرة لتونس، بأنه لن يسمح أبداً باندلاع انتفاضة جديدة مهما كان شكلها، مادام رئيساً للسلطة، خوفاً من أن تنتقل عدوى الثورات، أو تشهد فلسطين حراكاً اجتماعياً وشعبياً شبيهاً بالذي شهدته، وتشهده حالياً، بعض الدول العربية، بعد الدعوات التي تواصلت عبر موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك» إلى انتفاضة ثالثة؛ وعد من الصعب أن يفي به الرئيس في ظل ممارسات الاحتلال العدوانية تجاه الشعب الفلسطيني، خصوصاً في قطاع غزة. وعد عباس لن يخدم السلام أو المفاوضات التي قال إنها لا تحتاج إلى أكثر من أسبوع واحد فقط من أجل التوصل الى اتفاق مع الإسرائيليين.

الشعب الفلسطيني شعب عملاق وذو تجارب وتضحيات مشهودة، وانتفاضته لن تكون في مواجهة سلطة أو نظام، وانما في مواجهة احتلال اغتصب ارضه وحقه، لذا فلا مجال هنا للمقارنة أو التأثر بما حدث في تونس ومصر أو ما يحدث حاليا في اليمن وسورية، فالحالة الفلسطينية خاصة، وانتفاضتها لن توقفها قوة أو قيود أو وعود.

بالطبع فإن وعد عباس منع اندلاع انتفاضة جديدة، لا علاقة له في واقع الأمر بالسلام، بل يصب في مصلحة الاحتلال، وان كانت نيته الحفاظ على الاستقرار ومنع أي فلتان أمني أو عسكري في الضفة أو غيرها من المناطق الفلسطينية. لقد اراد عباس توفير ارضية هادئة أملاً في التوصل الى اتفاق والحصول على الاعتراف بالدولة، بعد ان اوصدت جميع الأبواب في وجه الفلسطينيين مستنداً الى وعد من الرئيس الأميركي باراك أوباما بأنه يريد رؤية دولة فلسطين بعضوية كاملة في الأمم المتحدة في سبتمبر المقبل. فهل يكون الأخير (الرئيس الأميركي) عند وعده ويدعم موقف عباس أم يكون «عرقوباً» جديداً كسابقيه الرئيس جورج بوش الأب الذي سبق أن وعد الفلسطينيين بدولة خلال عام في نهاية ولايته، وكذلك الرئيس بوش الابن؟ لكن ما حدث هو المزيد من الاستيطان، والإصرار على تجاهل الاستحقاق الفلسطيني، واطلاق وعود براقة تحولت في نهاية المطاف إلى فقاعات في الهواء، وثبت انها كانت «عرقوبية».

كمواعيد عرقوب التي صار يضرب بها المثل في الكذب وخلف المواعيد.

الرئيس عباس والشعب الفلسطيني وجميع العرب يعلمون تماماً ان الوعد الوحيد الذي تحقق هو وعد بلفور (وزير الخارجية البريطاني جيمس آرثر بلفور في الثاني من نوفمبر 1917)، الذي منحت بموجبه بريطانيا الحق لليهود في إقامة وطن قومي لهم في فلسطين. ويومها لم يكن بلفور «عرقوباً» عندما وعد اليهود بدولة في فلسطين على حساب أهلها وحقوقهم. هذه الحقيقة التاريخية التي نتجرع مرارتها حتى الآن لا تمنعنا من ان نتفاءل وأن ننتظر مع عباس قدوم شهر سبتمبر المقبل للمطالبة بالاعتراف بدولة فلسطينية على حدود عام ،1967 كما وعده أوباما، لعل وعسى أن يوفي الأخير بوعده، والا يكون عرقوباً جديداً يضاف الى العراقيب السابقين.

ما يعطي بارقة أمل هو ان العالم يترقب وينتظر اعترافاً مماثلاً من الأمم المتحدة بجنوب السودان دولةً جديدة، وهي خطوة ان تمت من دون الاعتراف بالدولة الفلسطينية الأكثر تقدماً وجاهزية، ستكون بلا شك مفارقة تاريخية، ومخيبة، ليس لآمال الفلسطينيين وحدهم، بل للأمة العربية كلها والشعوب المحبّة للسلام.

jaafar438@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه.

 

تويتر