5 دقائق

(إنهم يكرهون جوزيف نانو)!

عبدالله الشويخ

لا يكاد معرض الكتاب ينتهي في إحدى إمارات الدولة حتى تسمع عن انطلاق معرض كتاب في إمارة أخرى، وقبل أن «يشطب» هذا الأخير يتم افتتاح معرض في إمارة ثالثة، لا يكاد ينتهي حتى يبدأ معرض الإلكترونيات والحاسب الآلي، ثم معرض عقاري هنا، ثم بعد أسابيع ترى المعرض العقاري نفسه على بعد 100 كيلومتر، ويستمر اللهاث، ويستمر سماع العبارات نفسها، حتى تفاجأ في لحظة ما بأن المعرض الذي لم تكد تنسى تفاصيله الدقيقة قد مر عليه عام كامل، خصوصاً مع تسارع الأيام وتقاربها، فتقوم بزيارته لترى الجمل نفسها والوجوه نفسها... التسجيل المبكر، جميع المساحات محجوزة، مساحة معرض هذا العام أكبر 20٪ من العام الماضي، ميلودي تتحدى الملل، حتى إنك ستتساءل كثيراً: هل فعلاً مر عام كامل؟ أم أنها تلك الحالة التي يسميها علماء النفس «ديجافو»، التي تجعل المرء يعتقد أنه رأى هذا المشهد وهذه الحالة من قبل، ويفسرونها بأنها خلل هرموني في الدماغ، يستمر لحظات قليلة، ولكنك ستنتبه أخيراً إلى أن المعرض فعلاً جديد، لأنه يحمل تاريخ العام الجاري بجوار اسمه الرنان!

الحقيقة التي كررها لي زوار معارض هذا العام، على اختلاف مشاربها، سواء أكانت ثقافية أم اقتصادية أم عقارية، وبغض النظر عن المدينة التي أقيمت فيها، هي أن معارضنا أصبحت بالفعل مملة ومكررة، وأغلب العارضين فيها «يكشون الذبان»، وكلما سألت إحدى اللجان المنظمة لهذه المعارض، التي تقتصر على الشركات ذات العيون الزرق، ستأتيك الإجابة المباشرة: «نحن نعتقد أن هذا الأمر مناسب جداً...».

كثرة المعارض وتقاربها سببا حالة إرهاق، خصوصاً للمؤسسات الحكومية التي تعتبر مشاركاتها نوعاً من الدعم اللوجستي والإعلامي لهذه المعارض، كما سببا حالة من الملل والإرهاق لدى الإعلاميين المطالبين بتغطيتها كلها، من دون أن يكون فيها أي جديد، سوى ذلك المسؤول الأشقر السخيف الذي يكرر أن وجوده في هذا العام يؤكد نجاح سياسة شركتهم، وعندما تسأله عن سبب عدم وجود تجديد في معرض هذا العام، يجيبك بكل برود: «نحن نعتقد أن هذا الأمر مناسب جداً...».

المعارض الكبرى الناجحة في العالم، وبسبب الظروف الحالية، ولتسارع الوقت وطبيعة الحياة، فهمت اللعبة، فجعلت مواعيدها متباعدة، فعندما يصبح المعرض كل ثلاث سنوات أو أربع، يصبح هناك تغيير حتمي وجذري، وشغف، وانتظار من الجمهور، ولكن إصرار المنظمين الأجانب أسبابه مادية بحتة، خصوصاً مع المشاركات الحكومية الداعمة لهذه المعارض.

***

الأمر الأخير الذي يفكر فيه الكثيرون هو: ما علاقة كثرة المعارض ومللها بعنوان هذا العمود؟ وما علاقة هذا كله بجوزيف نانو؟ ومن هو جوزيف نانو أصلاً؟ ولماذا يكرهونه؟ في الحقيقة أنا نفسي لا أعلم، لكنني «أعتقد أن هذا الأمر مناسب جداً»!

shwaikh@eim.ae

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه

تويتر