كل يوم

المخالفة والخطأ.. والغرامة

سامي الريامي

تذهب إلى صندوق البريد فتتفاجأ بإغلاقه وحجب الخدمة عنك، لأنك لم تجدد الاشتراك، لا اعتراض على ذلك، فلاخدمة من غير دفع، ولكن بأي حق وتحت أي بند قانوني يلزمك البريد بدفع مخالفة قدرها 150 درهماً نظير عدم التجديد!

هناك سوء فهم واضح في مسألة المخالفات والغرامات بشكل عام وفي مختلف الدوائر الحكومية، فالغرامة يجب أن ترتبط بمخالفة لنظام أو قانون، ولكن ليس كل عمل يسلكه الإنسان بقصد أو من دون قصد يعتبر مخالفة ينتج عنها استحقاق الغرامة!

المسألة سهلة وواضحة، فهي ليست كيمياء ولا ذرة، بل منطق وقانون، من يقطع الإشارة الضوئية الحمراء ارتكب مخالفة خطرة يستحق بموجبها العقاب والمخالفة التي تستدعي دفع الغرامة، ولكن من انتهت رخصة مركبته ولم يجددها، فهو لم يرتكب مخالفة تستدعي دفع غرامة بحجة تأخير التجديد، إنما يجب عليه تجديد مركبته ودفع رسوم التجديد المعتادة، فانتهاء ترخيص المركبة ليس مخالفة، بل قيادة السيارة من دون ترخيص هي المخالفة التي تستحق العقوبة والمخالفة!

من يعبر «سالك» من دون أن يضع الملصق الخاص به، فقد خالف قانون «سالك» ويستحق غرامة، ولكن من عبر «سالك» وهو يضع الملصق برصيد منتهٍ، فلم يخالف، وعليه فقط دفع قيمة المستحقات الناجمة عن عبوره دون رصيد، فهو لم يخالف القانون، حتى يستحق غرامة قدرها 50 درهماً، إضافة إلى رسم العبور الذي لم يدفعه!

وهكذا الحال في من عمل بتجارة من دون رخصة تجارية، هو بالتأكيد مخالف يستحق الغرامة، لكن من انتهت رخصته التجارية، ولم يجددها، فعليه فقط أن يجددها ويدفع رسوم التجديد، فلا مكان لمخالفة هنا، وعليه تعديل وضع خاطئ، وهذا لا يمكن أن يتساوى أمام القانون بمن يخالف القانون ولا يعترف بوجوده أصلاً!

فلنشرحها أكثر: مَنْ يقف في مواقف هيئة الطرق من دون أن يقطع تذكرة الوقوف، لا شك في أنه يستحق الغرامة 150 درهماً، لأنه لم يلتزم بقانون، واستخدم منفعة حكومية من دون أن يدفع قيمتها، لكن لماذا يغرم من قطع التذكرة ودفع الرسوم، 100 درهم لأنه تأخر خمس دقائق، أو حتى ساعة عن تجديد زمن الوقوف؟

لا توجد هنا مخالفة لقانون الوقوف، فالشخص قطع التذكرة والتزم بالقانون، لكن يوجد هنا سلوك غير صحيح وهو عدم دفع مبلغ الوقوف لمدة ساعة مثلاً والتأخر لمدة أطول، وبالتالي تقويم هذا الخطأ يجب أن يكون دفع قيمة الوقت المتبقي نظير استخدام الموقف فقط، أما دفع 200٪ غرامة على هذا السلوك، مع وجود حسن النية الذي دفع بالشخص إلى النزول وقطع التذكرة والالتزام بالقانون، فإن ذلك لا يستحق مخالفة متساوية مع من لم يلتزم بالقانون أصلاً ولم يقطع التذكرة. من يزوّر جواز سفر فهو مجرم يستحق العقوبة، أما من ينتهي جواز سفره، فما عليه إلا أن يجدده، من دون أن تلحق به أي غرامة أو مشكلة قانونية، هذا هو المبدأ وهذا هو المنطق!

وعلى ضوء هذه المعطيات يمكنكم قياس أشياء كثيرة، ربما أكون مخطئاً هذا جائز، ولكن هناك دول متطورة كثيرة تطبق هذا المبدأ، وتفرق بشكل واضح بين مخالفة القوانين التي تستحق الغرامات، والسلوكيات التي تحتاج إلى التقويم والتصحيح.

reyami@emaratalyoum.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه 

تويتر