أبواب

حديث في الثقافة

سالم حميد

تعد دولة الإمارات على مستوى مؤسساتها الحكومية الثقافية الأعلى مشاركة عربياً في معارض الكتاب العالمية، هذا ما لاحظته شخصياً خلال بضع سنوات قليلة ماضية، وفي الأسبوع الماضي حضرتُ معرض بولونيا لكتاب الطفل في إيطاليا، وحسب ما شاهدته كانت المشاركة الإماراتية الأعلى مشاركة عربياً، وأود هنا أن أشيد بمشاركة دائرة الثقافة والإعلام في إمارة الشارقة اللافتة في هذا المعرض، والشباب والشابات الإماراتيين الذين مثلوا الدائرة في هذا الحدث العالمي، عكس مشاركة هيئة أبوظبي للثقافة والتراث التي كان يمثلها مجموعة من أجانب غربيين وشاب إماراتي واحد في بداية العشرينات من العمر، وعندما أقول أجانب هنا، ليس من باب العنصرية إطلاقاً، ولكن يُفترض أن تكون المشاركات الخارجية يمثلها أبناء البلد نفسه وليس أبناء الأجانب حتى لو كان هؤلاء الأجانب يتمتعون بأعلى المقومات والخبرات.

في بلد كالولايات المتحدة، يعد من أكبر الدول على المستوى الثقافي ونشر الفنون، حيث إنك لتعجب من حجم الضخ الثقافي محلياً وخارجياً، لكن الغريب أنه على خلاف العديد من الدول لا يوجد بها وزارة ثقافة، فالنشاط الثقافي يتم معظمه عبر مؤسسات أهلية أو خاصة، هذا بخلاف التجاري طبعاً، ورغم ذلك فعجلة الحراك الثقافي لا تتوقف في هذا البلد الشاسع، لكننا في بلدان أخرى تمتلك وزارة ثقافة وغيرها من مؤسسات ثقافية مملوكة للحكومة، وتضخ الملايين، نجد أن النتيجة لا ترقى إلى المستوى المطلوب، فأين هو الخلل، وما سبب هذه الفجوة وهذا الضعف في البنية والإدارة الثقافية في تلك الدول؟

رغم أن المقارنة هنا مع دولة بحجم الولايات المتحدة تبدو صعبة، لكن إذا تناولنا جزئية افتقاد هذا البلد مؤسسة حكومية تدير العمل الثقافي، ووجودها مثلاً في الإمارات، وكذلك وجود هيئات ثقافية رسمية في كل إمارة، لم نصل إلى نتيجة حقيقية في مجال العمل الثقافي من دون عشوائية، والسبب ربما يعود إلى عدم إدراك البعض ماهية العمل الثقافي، فالبعض ينظر إلى الثقافة على أنها رفاهية اجتماعية غير ضرورية، وحتى في وجود البعض ممن يؤمن بوجود مؤسسات حكومية تدير العمل الثقافي وتطوره، فإن ذلك يستلزم أيضاً فهماً وافياً لمعايير العملية الثقافية، فالثقافة ليست مجرد كتل أسمنتية هائلة، أو مقارّ ومباني متنوعة، وصرف أموال بالملايين لإقامة فعاليات ومهرجانات مكلفة لن تقدم كثيراً في دفع العملية الثقافية، بل من الأفضل أن تغير بعض المؤسسات الثقافية الحكومية اسمها من مؤسسات لإدارة الشأن الثقافي إلى مؤسسات لإقامة الفعاليات!

إن جوهر العملية الثقافية في أي بلد هو الاستثمار في الإنسان، هذا الاستثمار طويل الأمد، وهو الذي يخلق سمة ثقافية لأي بلد، وهو استثمار قد لا تجد نتائجه فوراً لكنه يؤسس لبلد غني بثقافته ومثقفيه، ويؤسس لفكر وأدب وفن، ويؤسس لتطور حضاري حقيقي، فلا يبقى من أي أمّة سوى أثرها الحضاري والثقافي، أو حضارة زالت وولت ولم يبق سوى ثقافتها التي نقلتها للأجيال الجديدة، والعبرة ليست بهيئات ثقافية حكومية متعددة وصرف الملايين للمباهاة، العبرة بالاستثمار الصحيح في هذا المجال.

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه.

تويتر