يا جماعة الخير

صفوف وسيوف

عائشة محمد المحياس

تحولت بعض ساحات المدارس حالياً إلى ما يشبه ساحات للحرب، وأخذ العنف ينتشر فيها وفي مختلف المراحل الدراسية، ولم يقتصر على المرحلة الثانوية فقط، حتى في رياض الأطفال أصبح هناك عنف بين الطلبة الصغار، وبعض هذه المدارس يلجأ إلى قوات الشرطة لفض مثل هذه الاشتباكات وبين المدرسين أنفسهم أحياناً، وبين الطلبة والآباء أحياناً أخرى، فمن المسؤول عن انتشار العنف والكراهية والحقد والتربص بالآخرين في مدارسنا؟ ومن المسؤول عن انتقال هذا العنف إلى خارج أسوار المدارس لينتشر في الفرجان والأحياء السكنية والمراكز التجارية؟ بين طلبة المدارس أنفسهم وذويهم وشباب في العشرينات يتسلحون بسيوف وسكاكين، للتربص بفتيان في سن المراهقة حتى يقتلوهم أو يسببوا لهم عاهات مستدامة، من المسؤول عن هذا العنف والاستهتار بقوانين الردع والعقاب؟

معظم هؤلاء الأحداث تراوح أعمارهم ما بين 12 و18 سنة، ومفهوم الأحداث في العلوم الاجتماعية يندرج ضمنياً في مرحلة الطفولة، ولكن في الوقت الحالي يجب العمل على تحديث هذه المفاهيم وصياغة مفاهيم جديدة لهذه الفئة، التي دخلت بقوة في عالم الكبار من الشروع في القتل والسرقة والتهديد وحيازة الأسلحة البيضاء، وإنشاء عصابات في مختلف المناطق، ويجب وضع قانون عقوبات رادع يحد من هذه الأفعال الإجرامية. ففي الشريعة الإسلامية يحاسب الفتى من بداية دخوله مرحلة البلوغ على صلاته وعباداته وسلوكه الإسلامي كما يحاسب من يبلغ الأربعين أو الخمسين سنة تماماً، فقانون الثواب هو نفسه، وقانون العقاب هو نفسه، وجهنم يدخلها كل من لا يتبع تعاليم الدين الإسلامي سواء كان في الرابعة عشرة أو في الرابعة والخمسين. فنحن بحاجة إلى عمل لجنة تتبناها الحكومة لوضع مفاهيم وتعاريف وقوانين جديدة تحد من هذه الظواهر في ظل المتغيرات الاجتماعية وارتفاع مستوى المعرفة والثقافة بين الشباب والشابات، فمعرفة شاب في الثامنة عشرة أصبحت مساوية لمعرفة طفل في السادسة في ضوء الانترنت والتلفزيون والآي باد.

إلى متى يستمر هذا الوضع، فهؤلاء الأحداث العدائيون أو العدوانيون اكتسبوا هذا العداء من محيط الأسرة أساساً، الأب عنيف ويضرب السائق والأولاد والأم أعنف وتضرب الخادمة والبنات، والأبناء يضربون أبناء الجيران وأطفال الحديقة ورفقاء المدرسة، والمدرس يعنف الطلبة، والطلبة يعنف بعضهم بعضاً، وندور في الحلقة نفسها إلى ما لا نهاية.

أين التسامح والمودة والتلاحم والتراحم، لماذا أصبح البعض منا يترصد ليهجم ويجرح ويؤلم، في الماضي كان في الفريج مجلس للعائلات يجتمع الرجال مع الشباب والأولاد كل يوم في مجلس فلان، فينتشر التسامح والمحبة والتلاحم والمساواة بين الجميع، أما الآن فالناس أغلقت منازلها بجدار وسور عالٍ ومجلس مقفل من الداخل والخارج، فصاحب المنزل مشغول وغير مستعد لاستقبال أي فرد، خصوصاً أن الجار لا يعرف جاره، وفقدت المدارس دورها في زرع التلاحم والمحبة بين الطلبة في الصفوف الدراسية، فما فائدة العلم، والحقد والكراهية والسكاكين والسيوف تملأ الصفوف؟

من الأفضل أن يتم إنشاء مؤسسة اتحادية لمكافحة العنف، وأن تصبح المدارس منارة للعلم والحب والمودة وليست ساحة حرب بالسيوف والسكاكين، ويجب نشر ثقافة المجتمع الإماراتي المعروف بتسامحه مع الجميع من مختلف الجنسيات والفئات والديانات، مع وقف نزيف التفكك الاجتماعي فوراً.

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه.

تويتر