أبواب

اللاسامية

زياد العناني

إذا كانت إسرائيل لاتزال تجزم بأنّ اللاسامية هي التعبير عن كراهية اليهود أو الحقد عليهم، أو ممارسة التمييز ضدهم وضدّ مؤسساتهم المجتمعية والدينية من قبل بعض الإيديولوجيات الراديكالية أو الفكر الديني المتطرف، فإنها بذلك تغفل عن أنها أول من تسبب في هذه الكراهية في عميم تصرفاتها التي تدعو الجميع إلى التأكيد بأنها مجرد كيان عنصري مصيره الزوال.

قبل أيام أصدر مركز سيمون وسنتال اليهودي، قائمة بأسماء اللاساميين الجدد، في خطوة تزيد من عدد المحاصرين الأوائل بهذه التسمية والاستئثار بها، وتؤكد أنه ليس صعباً أن يجد المرء اسمه بين أسماء اللاساميين، لمجرد أنه قال رأيه، أو انتقد مجازر إسرائيل، أو كشف غطاء عن مجزرة جديدة سترتكب.

الأسماء التي وردت في تقرير ترجمه أخيراً د.توفيق أبوشومر، هي بالضرورة ضحية المجاهرة بالرأي، كما حدث من قبل مع هيلين توماس المطرودة من البيت الأبيض، وذلك عقب قولها لحاخام البيت الأبيض: «فليذهب اليهود إلى الجحيم، وليخرجوا من فلسطين»، وكذلك المخرج السينمائي أوليفر ستون الذي قال: «إن هتلر كبش فداء في التاريخ»، إضافة إلى زعيم ماليزيا السابق، المهاتير محمد، غير أن اللافت هنا هو إضافة اسم وكيل وزارة الإعلام الفلسطينية، المتوكل طه، إلى القائمة، لأنه قال: «ليس لليهود أي صلات تاريخية بجبل الهيكل والحائط الغربي، فليست هناك دلائل أثرية على أن هناك هيكلاً بني في عهد سليمان»، وذلك بعد يومين من نشر دراسته في بعض الصحف العربية، من دون أن تدرك أن المتوكل ابن قضية، وله الحق كله في الدفاع عنها، وكشف أكاذيب الاحتلال، وغوايته في تعديل الجغرافيا والتاريخ معاً.

ما يهمنا هنا هو أن اللاسامية التي تعني أن العرب واليهود ينضوون تحت اسمها القديم، تحولت إلى أداة دعاية سياسية تستعمل لاغتيال الكتّاب وأصحاب الرأي، ويترتب عليها كتهمة رفع محاكمات قانونية في دول الغرب، قد تطال كل من يشكك في الأساطير اليهودية الكاذبة، أو ينفي «الهولوكوست»، كبينة لا يجوز إلا التسليم بوجودها.

غير أن السؤال هنا: من السامي، ومن اللاسامي في نظر إسرائيل؟ وهل يحق لشعب صغير ومن شتى الجنسيات والدماء العالمية أن يحتكر هذا المصطلح لمصلحته؟ وكيف لهذا الشعب أن يتوقف كثيراً عند عبارة «كراهية اليهود على الملأ»، ويسرد حزنه، في الوقت الذي يقوم فيه بقتل الفلسطينيين على الملأ؟

كل المعايير الأخلاقية، وكل المرجعيات التي تعتمد على الجذر التاريخي، تقلب الآن، وتتم إعادة تحويرها لتسهم في خدمة اسرائيل، وليس هناك من يستطيع أن يغيّر حقيقة مزيفة من الحقائق التي تتخلق وتتناسل يومياً في كيان يرى في مكافحة اللاسامية مركباً أساسياً في سياسته الخارجية، تحصن الوطن القومي القديم الجديد للشعب اليهودي، على حساب اجتثاث فلسطين من الخريطة، وحرمان شعبها من المظلة الإنسانية.

في الحقيقة أو حتى في غيرها، نحتاج إلى مركز دراسات قانوني كامل ومختص في محاربة إسرائيل، تكون مهمته الاشتباك معها في المحاكم الدولية كافة، وحشرها حشراً قانونياً في خانة اللاسامية دولةً تثير الاشمئزاز، وليس لها سوى وجه واحد لا يؤكد إلا الوحشية.

zeyad_alanani@yahoo.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر