5 دقائق

نعمة الاتحاد

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

لقد تمنن الله تعالى على نبيه سيدنا محمد، صلى الله عليه وسلم، بقوله: {وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثرَكُمْ} لأن في الكثرة قوة ومَنَعَة، وعزاً وسؤدداً، فإن الأمة القليلة تُتخطف من حولها، ويطمع فيها القريب قبل البعيد، والغني قبل الفقير، ولا تستطيع أن تحمي ذِمارها ما لم يكن لها من قوة العدد ما ترهب به عدوها، كما قال الطغْرائي:

كونوا جميعاً يا بَني إذا اعترى خَطْبٌ ولا تتفرقوا آحادا

تأبى العُصِي إذا اجتمعنَ تكسراً وإذا افترقن تكسرت أفرادا

وهذا ما كان يدركه مؤسسو دولة الإمارات العربية المتحدة، المغفور لهم بإذن الله تعالى، حكام الإمارات المتصالحة، وعلى رأسهم زايد بن سلطان وراشد بن سعيد وإخوانهما الحكام ــ رحمهم الله تعالى جميعا وطيب ثراهم ــ إذْ رأوا أن الأمة المتحدة هي التي تستطيع أن تبني وتعيش وتحمي نفسها، ويُحسب حسابها، وهذه المفاهيم هي مفاهيم إسلامية وشرعية، فإن الله تعالى جعل الاتحاد إحدى الفرائض الاجتماعية، فقال جل شأنه: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا} ولم يقف الأمر عند الأمر الدال على الوجوب بأصل وضعه اللغوي فلا يصرف عنه إلا بقرينة، والدال بمفهومه على حرمة الافتراق؛ لأن الأمر بالشيء هو نهي عن ضده، بل أتمه بالنهي عن الاختلاف والتفرق فقال: { وَلَا تَفَرقُوا} لئلا يغيب الفهم عن إدراك المفهوم؛ لكونه خطاباً للعامة والخاصة، وهو يدل على التحريم بأصل وضعه كالأمر، وكان ذلك كافياً للتدليل على فرضية الاتحاد والاجتماع، إلا أنه سبحانه بين لهم ما في الاجتماع من منافع عظيمة؛ ليكون إقبالهم عليه رغبة في تحقيق الفوائد التي تطمح النفوس باستعجالها، فكان ذلك بتذكيرهم بنقيض الاجتماع والاتحاد؛ لأن النعمة لا تعرف إلا بضدها، وهم يعرفون ذلك، فقد اكتووا بنار الفرقة وسوء العداوة، فقال سبحانه: {وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَينُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلكُمْ تَهْتَدُونَ} فما أبلغ هذا الخطاب القرآني، والتحبيذ الرباني للاعتصام بحبله المتين، والاجتماع على هديه القويم. وها هي الإمارات العربية المتحدة قد جعلت هذا الهدي القرآني شعارها، فأرست دعائم الاتحاد لتقول لأمتها الإسلامية والعربية: هذا هو التطبيق الأمثل لأوامر المولى جل شأنه، فأين أنتم منه؟ وها هي تجني الثمار اليانعة التي تفتقدها الشعوب المتمزقة المتناحرة، التي تختلف ولا تأتلف، فذهب ريحها وظهر وهَنُها، وغدت فريسة لأعدائها، يتشفى منها العدو ولا يقدر على نفعها الصديق، وما ذلك إلا بتفريطها بأمر ربها في الاعتصام، وعدم اكتراثها بنهيه عن الفرقة، وتحذيره منأ النزاع، فقد قال جل شأنه:{وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِن اللهَ مَعَ الصابِرِينَ} فكان شؤم المخالفة خراباً في البنيان، وخوفاً للأوطان، وتأخراً في العمران، وضياعاً لبني الإنسان {وَمَا ظَلَمَهُمُ اللهُ وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} أ

ألا فما أجمل لعقلاء البشر من اتخاذ هذا الشعب الوحدوي، والاتحاد القوي، والتقدم الصناعي والتقني، والتفوق المعرفي؛ نموذجاً لأممهم وشعوبهم؛ ليكونوا على السنَن السوي، ويتهيأ لهم العيش القوي.

والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.

كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر