5دقائق

تاكسي القراءة

ميره القاسم

عجائب البحث عن طريقة ما لرفع نسبة القراء في العالم العربي لا تنقضي، وهذا مفهوم لأن المشكلة الأساسية تظل قائمة بل تتفاقم باستمرار، وبالتالي لابد أن يظل البحث عن حلول لها جارياً إلى ما شاء الله.

قلة القراءة أو العزوف عن القراءة أو الطلاق المعلن بين العربي والكتاب «ضع ما شئت من التسميات والعبارات والمجازات» هي أم المشكلات الثقافية والمجتمعية بل والنهضوية في عالمنا العربي البائس، ولهذا تؤرق الكثير من المهمومين والمبتلين بهذا الهم الثقافي والمجتمعي الذين لا يكفون عن الأحلام والآمال بأن يصلوا إلى (مصالحة) معها، ويستخدمون في سبيل هذا الهدف الغالي كل ما يقع تحت أيديهم من إمكانات الترغيب والتشجيع والتحفيز بما في ذلك منتجات التكنولوجيا التي غيرت نمط حياتنا كله، بما في ذلك طريقة القراءة.

«زمااااااااان...» أيام القراءة الحقيقية كنا نذهب إلى المكتبة لنبحث عن الكتاب لنقرأه، وربما نُتعب أمين المكتبة وهو يبحث لنا عما يعجبنا من الكتب المرصوصة على الأرفف. كان الكتاب غذاءنا الروحي، وسلوانا وطريقة تسليتنا الوحيدة قبل أن ينفتح الفضاء علينا، ويكنس الكتاب والقراءة وأشياء أخرى كثيرة.

اليوم، ومع التغير الذي أصاب كل شيء، قرر الباحثون عن حل لمشكلة الكتاب والقراءة أن يستفيدوا من الوقت المستقطع الذي يقضيه المرء داخل وسائل المواصلات، فهداهم التفكير الى خدمة جديدة توصل الكتاب لنا حتى في الطريق. أتحدث عن خدمة جديدة تطلقها سلسلة مكتبات (أ) في القاهرة المحروسة تحت شعار «اقرأ على الطريق»، بحيث تتيح المكتبة من خلال تعاقدها مع ما يقرب من 50 سائقًا للتاكسي، أن تقدم عدداً من الكتب والمجلات التي تتماشى مع طبيعة وسيلة النقل والوقت المخصص لنقل الركاب.. في محاولة لإتاحة الفرصة للاستفادة من الوقت. أبالطبع علينا الاعتراف بأنه مشروع جميل ومهم، خصوصاً أنه مجاني، ومشروعات المكتبات المتنقلة بشكل عام، وهي تتناثر هنا وهناك في العالم العربي ولدينا في الإمارات تجربة مشابهة، مفيدة دون شك لمن يريد القراءة، لكن من قال إن مشكلة عدم القراءة سببها عدم وجود الوقت؟ القائمون على المشروع يعتقدون أنهم بذلك يحررون الإنسان من «عبء أو ثقل!» حمل الكتاب معه، وهم - جزاهم الله كل خير - لا يحملونه أي أعباء مادية أيضاً.. يعني الكتاب مجاني والفائدة مجانية والمشروع كله من أجل أن يقرأ العربي، فهل من يقرأ؟

نتمنى ألا نكون سوداويين وأن يجد المشروع قبولاً ويحول القراءة فعلاً من رفاهية لا يهتم بها الكثيرون إلى أمر يومي نقوم به أو عادة محببة، لكن التجارب السابقة، والأسباب الحقيقية التي تكمن خلف عدم القراءة «عربياً» أعمق من مجرد عبء حمل الكتاب أو شرائه، ما يجعلنا نتوقع أن تكون الاستجابة ضعيفة. فقد ثبت أكثر من مرة أن محاولة عقد «مصالحة» مع تدني القراءة هي على ما يبدو أصعب من «المصالحة بين إخوتنا الفلسطينيين الذين لا يشبعون من الخلاف».. ليس في الأمر مبالغة، فمشكلة العزوف عن القراءة عميقة الغور، والمصير الذي ينتظر الكتاب العربي الورقي.. أسود.

wahag2002@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتبة يرجى النقر على اسمها . 

تويتر