رؤية

بترول المستقبل

نجيب الشامسي

ماذا فعلت اليابان بعد أن دمرتها الحرب العالمية الثانية، وهي لا تملك من ثروات الطبيعة سوى القدر اليسير؟ ماذا فعلت الصين كي تصبح تنيناً أو مارداً يهز أكبر اقتصادات العالم؟ وماذا فعلت الهند كي يسجل اقتصادها خلال السنوات الأخيرة أعلى معدلات النمو في العالم؟

لقد اهتمت تلك الدول بالثورة العلمية والثقافية، لتستند إليها في تحقيق التنمية الشاملة، لاسيما الاقتصادية، إذ أصبحت المعرفة أو الاقتصاد المعرفي أهم مفاصل التنمية الاقتصادية في العالم. فاليابان المدمرة بعد الحرب العالمية الثانية، اهتمت بالثورة العلمية، واستطاعت أن تسجل تفوقاً عالمياً غير مسبوق في اقتصادات المعرفة. ومن خلال المعرفة، أصبحت الرقم الصعب في عالم التقنية أو التكنولوجيا بعد أن أصبحت مالكة للعقول المتميزة المنتجة للتكنولوجيا، وأصبحت تصدّر أنواعاً مختلفة من أشكال التقنية التي تحتاج إليها دول العالم، وتعتمد عليها بشكل كبير في تحقيق تنميتها، أو إحداث ثورة صناعية فيها.

وعلى مسارها، سارت الهند التي أصبحت تشكل أهم الدول المنتجة للعقول والتقنية الحديثة، وأصبحت كبرى دول العالم تعتمد على العقول الهندية، بعد أن أصبح خيار الهند هو الاهتمام بالمعرفة أو اقتصادها، ليكون لها حضور حقيقي في ميدان المعرفة.

أمّا الصين التي برزت خلال السنوات الأخيرة بوصفها أكبر الاقتصادات العالمية من حيث معدلات النمو، فإن ذلك يعود في الأساس إلى الثورة الثقافية التي أرسى دعائمها الزعيم الصيني ماوتسي تونغ، لتحول هذه الثورة اقتصاد الصين من اقتصاد الظل إلى أكبر الاقتصادات.

ولاتزال الاقتصادات الثلاثة تسجل أعلى معدلات النمو الاقتصادي في العالم، وهي مرشحة لأن تقود العالم اقتصادياً، لاسيما بعد الهزة العنيفة التي تعرضت لها الدول الرأسمالية التقليدية، إثر الأزمة المالية العالمية عام .2008

وإذا ما أرادت دول مجلس التعاون لدول الخليج العربي تحقيق تنمية اقتصادية حقيقية، فإنه يجدر بها الاهتمام بإحداث ثورة علمية توصلها إلى تنمية بشرية، وتسهم في تنويع القاعدة الإنتاجية لاقتصاداتها الهشة، من خلال الاعتماد على مصدر جديد للدخل والتنمية، هو المعرفة، باعتبارها البترول الذي لا ينضب، والسلعة المتجددة.

ومن خلال الاقتصاد المعرفي، تحقق التنمية البشرية، وتكون أكثر قدرة على امتصاص الصدمات والأزمات والهزات التي تعرضت لها اقتصاداتها خلال العقدين الماضيين. كما تستطيع أن تستفيد من علاقاتها مع دول الغرب والشرق في تنمية اقتصاد المعرفة لديها، باعتبارها في حاجة ماسة إلى ذلك، وتستطيع أن تبني حوارها الاستراتيجي مع تلك الدول من خلال المساعدة على تنمية اقتصاد المعرفة، لبناء مستقبل اقتصاد قوي، وقادر على الحضور في الساحة الدولية، والصمود أمام الأزمات العالمية، ومواجهة استحقاقات المستقبل.

alshamsi.n@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر