5 دقائق

«شكراً يا معالي الوزير!»

عبدالله الشويخ

في عام 1995 كان الرجل الأنيق دمث الخلق «حنيف حسن» أو «حنيف القاسم»، كما كنا نسميه في ذلك الحين، أستاذاً جامعياً يحاضر في جامعة الإمارات في مدينة العين، قبل أن يصبح وزيراً للتربية والتعليم، ثم وزيراً للصحة، ومن قبلها مديراً لجامعة زايد، كان يدرسنا مساقاً تفرضه إدارة الجامعة إجبارياً على جميع الطلبة، اسمه «أساسيات الفكر الإسلامي»، وكانت لدى الدكتور سياسة رائعة في تثبيت حضور وغياب الطلبة المسجلين في المساق، خصوصاً مع صعوبة السيطرة على هذا الأمر في المدرج الذي يحتوي على أكثر من 300 طالب في المحاضرة الواحدة فهو يقوم بطباعة الورقة التي تحوي أسماء الطلبة، ويناديهم بالاسم في القاعة الضخمة، وإذا سمع كلمة «نعم» أو «موجود»، أو «حاضر»، وضع إشارة تؤكد حضور الطالب المحاضرة.

ولما كانت هناك ثغرة كبيرة في هذا النظام، كان معظم الزملاء يتفرغون لتجارتهم في تلك الأيام الذهبية، سواء كانت الأسهم، أو بيع الأراضي وبيع السيارات المستعملة، وتلقيح «البوش»، ويكلفونني أن أجلس، شبه وحيد، في القاعة الواسعة، فيقول معالي الوزير اسماً فأرد بـ«نعم»، ثم يقول اسماً آخر فأقول «نعم»، والتالي و«نعم» وهكذا ... حتى زاد الأمر عن حده عندما طلب مني ذات يوم الالتقاء به بُعيد المحاضرة، وحدثني بجدية وهو يوصلني إلى سيارتي «الكامري»، وينحني عليّ بأبوية لفارق الطول المفرط بيننا، وقال ما معناه: «أنا على علم تام بالذي يدور في القاعة، ومن يحضر ومن لا يحضر المحاضرة، إلا أنني أترك الخيار للطالب، لأن المستقبل مستقبله، وسيأتي يوم يعلم فيه أولئك الطلبة فداحة خسارتهم، وما فرطوا فيه، بينما ستبقون أنتم المجتهدون في الصدارة».

تذكرت كلمات معالي الوزير يوم أمس، وأنا في طريقي إلى معرض الكتاب عندما مررت إجبارياً بجوار عشرات الأبراج التي شيدها زملائي أولئك، ثم نظرت إلى اللوحة الملونة التي تزين أحد تلك الأبراج، والتي تمثل وكالة سيارات شهيرة حصل عليها أحدهم، ومرت من فوقنا طائرة مملوكة لإحدى الشركات الخاصة يملك آخر 60٪ من أسهمها، تذكرت هذه الكلمات وأنا أحاول أن أعثر على موقف لسيارتي «الكامري»، التي لم تتغير منذ ذلك الحين، بين مواقف أولئك «الغائبين» الضخمة، حيث تزين سيارة كل منهم لوحة تحمل أرقاماً ثلاثية متسلسلة، و«جامات مخفية»، تذكرتها وأنا أستجدي الناشرين في المعرض واحداً تلو الآخر لنشر روايتي «طاح الدور»، أو طباعة ديواني الذي لم يرَ النور «أمعاء قطة تشعر بالغرور»، أو حتى مجرد تدقيق لغوي لكُتيب خواطري «نفس شيشة»،

تذكرت كثيراً.. ولم يكن أمامي سوى أن أتمتم: «شكراً يا معالي الوزير!».

shwaikh@eim.ae

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر