5 دقائق

اجتماع العيدين

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

يكثر سؤال الناس اليوم عن حكم اجتماع العيد والجمعة، فهل تجزئ صلاة العيد عن الجمعة؟ وسبب ذلك ما ورد في الصحيح أن سيدنا عثمان رضي الله تعالى عنه خطب الناس في يوم كهذا، فقال: «يا أيها الناس، إن هذا يوم قد اجتمع لكم فيه عيدان، فمن أحب أن ينتظر الجمعة من أهل العوالي فلينتظر، ومن أحب أن يرجع فقد أذنت له»، ففهم البعض منه أن صلاة العيد تجزئ عن الجمعة، مع أن الحديث وارد في حق أهل العوالي وكانت بادية المدينة، والخطاب موجه إليهم كما هو ظاهر، وكان أهلها قد تكلفوا الحضور لصلاة العيد، ويشق عليهم أن يعودوا ثانية إلى صلاة الجمعة، فرخص لهم بعدم العود والاكتفاء بصلاة الظهر في باديتهم التي لا جمعة فيها، وليس عاماً في أهل المدينة أو من تقام فيهم الجمعة من أهل البادية؛ لأن الجمعة فرض يؤمها من سمع النداء، أي كان في محل يسمع فيه النداء عادة ولو لم يسمعه فعلا، لسبب أو لآخر، ما دام أنه في البلد الذي فيه النداء، بينما صلاة العيد نافلة باتفاق أهل العلم، والنافلة لا تغني عن الفريضة بحال، بخلاف العكس في بعض الصور، لقاعدة: الأصغر يدخل تحت الأكبر لا العكس، فكيف يقال للناس: إن صلاة العيد مجزئة عن الجمعة، والله تعالى يقول: {يَا أَيهَا الذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعة فَاسْعَوا إِلَى ذِكْرِ اللهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}، وإلى هذا ذهب جمهور أهل العلم، وفي هذا يقول ابن المنذر رحمه الله في «الأوسط»: الرخصة في الإذن لمن كان خارجا عن المصر في الرجوع إلى أهليهم ولا يعودون للجمعة، فأما الجمعة فلا تسقط عن أهل القرية بحال؛ لأنها صلاة غير صلاة العيد، وإنما تجب إذا زالت الشمس، يدل على ذلك قول الله جل ثناؤه: {يَا أَيهَا الذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَة فَاسْعَوا إِلَى ذِكْرِ الله} الآية، فغير جائز إسقاط ما يجب بعد زوال الشمس من فرض الجمعة بتطوع يتطوعه المرء في أول النهار أعني صلاة العيد. وقال أيضا: أجمع أهل العلم على وجوب صلاة الجمعة، ودلت الأخبار الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن فرائض الصلوات خمس، وصلاة العيدين ليست من الخمس، وإذا دل الكتاب والسنة والاتفاق على وجوب صلاة الجمعة، ودلت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن صلاة العيد تطوع، لم يجز ترك فرض بتطوع. أهـ. نعم توسع السادة الحنابلة في هذه المسألة فرأوا سقوط وجوب الجمعة، لا عدم صحتها، عمن حضر صلاة العيد، أخذا بظاهر النص السابق في الترخيص لأهل العالية، فقاسوا عليهم غيرهم ممن صلى الجمعة عموما، إلا أنهم مع ذلك يرون وجوب إقامة الجمعة في المسجد، وأنه يتعين على الإمام أن يجمّع بمن حضر، حتى لا يسقط فرض الوقت، وإنما قال الحنابلة ذلك قياساً على سقوطها عن ذوي الأعذار. والواقع أن المُدن اليوم والحواضر في كثير من البلاد سواءٌ؛ حيث تقام الجمعة في كل محل، فليس هناك مشقة على أحد كمشقة أهل العالية.

كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .  

تويتر