صُـم فاهماً.. لو سمحت

يا جماعة الخير

مصطفى عبدالعال

سلوك الصائم هو معيار صيامه، ولذلك قال من علمنا الصوم صلى الله عليه وسلم مرة «رُب صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إِلا الْجُوعُ وَرُب قَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ قِيَامِهِ إِلا السهَرُ» ومرة قال: «رُب صَائِمٍ حَظهُ مِنْ صِيَامِهِ الْجُوعُ وَالْعَطَشُ وَرُب قَائِمٍ حَظهُ مِنْ قِيَامِهِ السهَرُ». فهل أنا مقتنع بكلامه؟ نقول جميعاً نعم، فهل نحذر مما حذّر؟ وأذكرك عزيزي القارئ أن هذه الزاوية ليست للوعظ وإنما موضوعها السلوكيات عموماً في عادات وعبادات ومعاملات، وكل المطلوب مني ومنك أن يقف كل منا أمام مرآة هو الذي يرى فيها نفسه بلا واعظ ولا رقيب، فهل تذكر الشاعر المحترم الذي قال:

 إذا العشرون من شعبان ولت فواصل شرب ليلك بالنهــــــــار

ولا تشــــــرب بأقداح صغـــــــار فإن الوقت ضاق على الصغار

نعم محترم، فهو يقر بأن من البدهيات والمسلمات أننا (السكارى) لن نجرؤ على انتهاك حرمة رمضان، فهل نحن مثله؟ أراك تقول: الإعلام وعادات رمضان من مخيمات شيشة، وسحور على الأنغام الراقصة، ومسابقات في معلومات عن أبطال أفلام وأغانٍ وراقصات، وثقافة لا تمت لرمضان ولا لأي دين بصلة، وزخم من مغريات لا تعين على رمضان. وطبعاً لا يخالفك في هذا منصف، ولكن الجواب في توفيق الله لمن صدق معه {وَمَن يَتقِ اللهَ يَجْعَل لهُ مَخْرَجاً}وفي قوله سبحانه: {يَا أَيهَا الذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُركُم من ضَل إِذَا اهْتَدَيْتُمْ}، إذن أنت تستطيع! لكن كيف؟ في تعليق رائع على المقال السابق أعلن رجل صادقاً مع نفسه وربه أنه في رمضان سيكف عن التدخين ويتصدق بثمنه،أي تَخليةٌ وتَحلية، وأخرى قالت «ألبس الحجاب حتى لا أتحمل وزر نظرة صائم لي وأعبر عما بقلبي من حب فطري لديني وتقديس رمضان»، وثالث يقول نظرت إلى الحديث:«السحُورُ أَكْلُهُ بَرَكَةٌ، فَلاَ تَدَعُوهُ وَلَوْ أَنْ يَجْرَعَ أَحَدُكُمْ جَرْعَةً مِنْ مَاءٍ، فَإِن اللهَ عَز وَجَل وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلونَ عَلَى المُتَسَحرِينَ»، فتأملت هل من المنطقي أن أسهر سامراً وأملأ معدتي بعد منتصف الليل لأنام عامداً مع سبق الإصرار والترصد ألا أصلّي الصبح حاضراً لا في المسجد ولا حتى في البيت؟ ألهذا فرض الصيام؟ وما بركة السحور في أقل صورها إلا لارتباطه بوقت الصلاة، فلماذا لا أرجع إلى فطرة الإسلام في رمضان وأجمع أهل بيتي على صلاة الصبح جماعة إن لم يكن في المسجد ففي البيت؟ والمسجد لا شك أفضل وأروع، ولماذا لا يفهم الناس أن موعد الفطر مع أذان المغرب اختبار؟ والفائز فيه من أفطر على تمر أو ماء ثم بادر بالصلاة ولو في البيت بأسرته قبل أن يجلس للطعام؟ لماذا لا أربي أولادي على هذه العادات الرمضانية وأصطحبهم للمساجد والمنتديات الرمضانية؟ لماذا لا تبدأ الأسرة في الارتباط بالقرآن عملياً، من خلال متابعة برنامج للتعليم على الفضائيات أو في مركز تحفيظ من عشرات المراكز المنتشرة في كل مكان شريطة الالتزام؟ هذه السلوكيات ليست لرمضان فحسب وإنما أغتنم رمضان نقطة بدء وانطلاق، فلعل أن تصيبنا منه نفحة لا نشقى بعدها أبداً.

mustafa@watani.ae

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر